ليس المطلوب من الجميع في هذه اللحظة الفارقة, اكثر من فسحة لالتقاط الانفاس وانتظار ما في جعبة صنّاع القرار الأردني, بعد أن استقامت الخطوة الوطنية بساقين وليس بساق واحدة, كما في فترات سابقة, فلاول مرة على الأقل بالنسبة لجيلي, نرى المسارين الاقتصادي والسياسي, يمضيان بتناسق وتوازٍ, فثمة وجبة سياسية دسمة يجري انضاجها تشريعيا واجرائيا وبالمقابل ثمة وجبة اقتصادية لا تقل دسامة عن الوجبة السياسية, جرى إطلاقها الأحد الفائت بجسارة من حكومة الدكتور بشر الخصاونة.
بالقطع ثمة من يرفض هذه الاستقامة في الجسد الرسمي, فالهامش المفتوح نتيجة تباين الخطوة, تارة سياسية وتارة اقتصادية, كان يسمح لكثيرين الولوج لابراز الذات واستثمار الفراغ المتروك, الى ان تكاملت الخطوة واستكملت الحكومة اضلاع المثلث التنفيذي, الذي يتطلب برنامجاً وطنياً وفريقاً وزارياً قادراً ودعماً من الرئيس, وهذا ما تجلّى مؤخرا, تناغم في الاداء بين وزير المالية ووزير التخطيط, ثم تغيير حصيف على سدة البنك المركزي ودعم جسور من رئيس الحكومة.
الخارطة الشمولية باتت اليوم اكثر وضوحا من اي وقت مضى, فالاثافي الثلاث باتت مستقرة تحت القِدر الاردني, وتحتاج الى وقت للانضاج والنضوج, مسار سياسي ومسار اقتصادي ومسار للاصلاح الاداري وتطوير القطاع العام, والمطلوب اليوم ان نعكس المعادلة, او ان نعدلها للدقة, فنحن مجمعون على الامور التي نرفضها, ولكننا حتى اللحظة لم نتفق على الذي نريده, والبقاء في مربع الشكوى والتذمر والتشخيص, لن يفيد البلاد والعباد, ولن يحقق سوى اضاعة المزيد من الوقت الوطني, في ظل عالم متسارع.
الاتفاق على ما نريد هو الاكثر وجوبا, بعد ان صرفنا الوقت والجهد في التشخيص ورفض القادم دون امتلاك برامج ومقترحات لتجاوز المرحلة الراهنة, فمرحلة الانتقال من دولة الريع الى دولة الاعتماد على الذات, او دولة الانتاج, لا تتحقق دون اصلاح سياسي جوهري, واصلاح اقتصادي هيكلي, مسنود بقطاع عام رشيق وقادر على توفير الارضية اللازمة لشراكة حقيقية مع القطاع الخاص, على ارضية الريادة والابتكار واستثمار الفرص السانحة, بدل الاستمرار في الشكوى واستهلاك الوقت في التشخيص.
على الشباب الاردني الراغب في الانتقال من دائرة الاماني والرغائبية, الى دائرة الفعل والتأثير, الانطلاق نحو العمل الجماعي السياسي, والتفكير الابتكاري اقتصاديا سواء بمشاريع صغيرة او متوسطة, ولعل تحفيز الملك للقطاع النسائي بخوض الغمار السياسي بجرأة, مؤشر على القادم, الذي سينجح فيه كل جسور ومبادر, دون الالتفات الى الحرائق الصغيرة التي احترف اشعالها بعض المستفيدين من الوضع القائم والسابق, فثمة طبقة تكلست وربما تحجرت, وتسعى الى تثبيت الوضع, لانها المستفيدة, فهي اعتادت «ان تقول ما لا تفعل إلا إذا خشيت الفضيحة، وتف?ل ما لا تقول إلا إذا كانت هناك مصلحة».
تفاعل الحكومة الايجابي مع مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية, واطلاقها للحزمة الاصلاحية الاقتصادية الاخيرة, بضبط التهريب والاستعداد لدخول الجيل الخامس من الاتصالات, واحياء المشاريع المتأخرة, خطوة تحتاج الى دعم ومتابعة من المجتمع الاردني بكل تكويناته, فهي بداية لرسم ملامح المئوية الثانية, التي سنعيشها ونتركها لجيل الابناء والاحفاد, ولا يجوز ان نتركها وحيدة أو رهينة في يد الراغبين في تأبيد الوضع القائم.
omarkallab@yahoo.com
الرأي