توقيت إطلالة دولة رئيس الوزراء بمؤتمره الصحفي للمكاشفة بواقع الحال وباطن الأمور والتوضيح لخارطة طريق المستقبل، كان مهماً جداً بالقيمة والمحتوى، يحمل العديد من المعاني بمحطات مفصلية على مستوى الفرد والوطن، أجاب عن استفسارات مغلفة بالشكوك، وربما كان مطلبا شعبيا لحديث رأس السلطة التنفيذية بنافذة إعلامية مبرمجة؛ شرح فيها المنجزات والتحديات، وبسّط أمور المستقبل بما يدعو للتفاؤل ضمن مهرجان التحديات التي تعصف بالبشرية والإقليم، ونحن الأردن، جزء مهم من هذه المنظومة بكلمة القول والفصل بالعديد من الملفات ذات الشأن.
هناك صعوبة بإضاءات كاملة على محاور المؤتمر الصحفي، ولكنني سأنحاز لأولويات المواطن ابن الوطن الذي يبحث عن الاستقرار ولقمة العيش ضمن تقلبات عصفت بالأمنيات، وشكلت محطة ترقب للمستقبل؛ وتسارع صعود المنحنى بغلاء الأسعار الذي يستنزف ميزانية العائلة والفرد، وتفاقم مشكلة البطالة لزيادة بأعداد الخريجين بتناسب عكسي مع شواغر العمل ومجالاته الداخلية والخارجية، تنافس القطاع الخاص مع ذاته والقطاع العام، مشكلة مضطردة بتوفير المواد الغذائية ضمن تهديدات السوق العالمية وتقلباتها بثوب جشع للبعض، ومشكلة الطاقة التي تخلخل الهيكلة العائلية، فباتت كابوسا يغلف أمانينا نهاية كل شهر لانتظار تسعيرة المحروقات، ويضاف اليها فاتورة أسعار الكهرباء المنتظرة.
محاور المؤتمر الصحفي كانت عادلة بتناول هذه المحاور الأساسية بصراحة وجرأة، خصوصا ضمن توتر حاجز الثقة بين الحكومة والمواطن، الأمر الذي دفع بدولة الرئيس بتفسيره لقلة ظهوره الإعلامي لإيمانه بعرض المنجز عن استعراض لخطط مستقبلية، تتماشى مع لحن الأمنيات دون فرصة لأرض الواقع.
الإعلان عن الانتهاء للعديد من الإجراءات اللازمة لتنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه، لسدِ النَقص الحاصل هو إنجاز وطني بالدرجة الكاملة، المياه هي التحدي الأكبر لديمومة وجودنا وحياتنا ضمن التهديدات المرافقة وواقع الحال، ويمكنني القول إنها نثرت بذور الطمأنينة ضمن مساحة الخوف والقلق التي انتابتنا بالفترة الأخيرة بسبب تجاذبات يصعب تصنيفها أو ترميزها، فكان القرار الفصل بأننا على أبواب البدء بهذا المشروع الوطني المكمل لتطلعاتنا بالمحاور الحياتية الأخرى، فتوفير الغذاء بجميع أصنافه وخصوصا مخزون القمح لفترة أمان طويلة، رفع الروح المعنوية بعد ارتدائه لثوب الحرص والتخطيط، وبعد فترة جلد الذات والتشكيك التي مررنا بها، بخطابات نارية وتراشق بكلمات يصعب تصنيفها أو تفسيرها أو تبريرها.
الإعلان عن برنامج لتعاون حقيقي بين القطاعين العام والخاص بأفرعه المتعددة؛ الصناعي والتجاري والمالي (وهو محور الحديث في اللقاء الملكي مع رجال الأعمال الأردنيين في قصر الحسينية بحضور سمو ولي العهد ودولة الرئيس)، يشكل حجر الزاوية لبناء اقتصاد متعافٍ بتحديات، بهدف الاعتماد على الذات، ويبدو ذلك واضحا بتعديل التعليمات والقوانين الناظمة للأمور الجمركية وتوحيد مرجعياتها، ووعود بتخفيض الجمارك على كل سلعة لا نظير لها في الصناعة الوطنية بنسبة 5%، وإعلان صريح بتفويض دائرة الجمارك لتكون المظلة الأساسية للتعرفة الجمركية، ووجود قرار متخذ من مجلس الوزراء بإعادة هيكلة هذه التعرفة التي ستطبق في نيسان القادم، على أن ينحصر الاجتهاد الذي يتبناه بعض المسؤولين وحصره بحدود ضيقة لن تسمح بتطبيق سياسة التنفير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
استعراض للخطوط العريضة بالفقرة السابقة يوضح أنها البوابة الأساسية لتشجيع الاستثمار وجلب الاستثمارات بعد منافسات وتسهيلات رهيبة من دول الجوار والإقليم، فتوضيح القوانين التي تختصر المسافات، والابتعاد عن فصول البيروقراطية، وحصر المرجعيات تحت سقف واضح وواقٍ، سيكون ذا أثر على انطلاقة مستحقة لترجمة الجهود التي نحاول أن نجعلها يقينا؛ تعرفة جمركية مدروسة، متوافقة، عادلة، وقوانين استثمار جاذبة تتميز بعمومياتها تحت عنوان الحرص الوطني بدون التفريط بإيرادات الدولة، تحتاج بالضرورة لقانون ضريبة يناغم بين هذه الاعتبارات، مكمل لسيمفونية الأداء؛ يوفر العملة الصعبة، يزيد الدخل القومي، ويساعد في حل مشكلة البطالة لأنها الحقيقة التي توفر فرص العمل وتمنح بطاقة الاستقرار، فالفراغ هو العدو الأساسي للفرد وصانع للفكر المنحرف والجريمة.
نترقب وعد دولة الرئيس بالإعلان عن خطة زراعية تمتد حتى عام 2025 خلال أيام، لأنها المحج والمحراب نحو نفق الأمل لعبور محيط المستقبل بقارب ينقلنا لشط الامان عبر أغادير أحلام بعد ظروف عاشها جيلنا، كانت زاخرة بتحديات الحياة وديمومتها، فبلدنا مصنف بأنه زراعي، لدينا تضاريس ربانية لأرضنا التي يمكننا جعلها سلة غذائية للوطن والإقليم، وهناك مبدعون متخصصون، حيث أن إعادة هيكلة الأولويات وترتيب أبجديات العمل كفيلة بالنجاح في الامتحان بالدرجة الكاملة.
إن اهتمام دولة الرئيس بمشروع التعديلات الدستوريَة والتشريعات الناظمة لتحديث المنظومة السياسيَة لتعزيز دور الشَباب بهدف الوصول إلى تشكيل الحكومات الحزبيَة، يسير بالترافق والتوازي مع تحديث المنظومة الاقتصاديَة والإداريَة، التي ستساهم بزيادة الثقة بتعاون ضروري مع دول الإقليم لتفعيل العمل المتكامل، بعيدا عن التحديات والأنانية السائدة.
الجهود الحكومية بالملف الصحي وملحقاته من خلال مؤسساتها المختلفة وتحديداً أثناء الجائحة الوبائية؛ توفير اللقاحات المجانية، التعاقد مع شركات الأدوية العملاقة لاستيراد الأدوية العلاجية، مضاعفة جهود القطاع الصحي وقدراته، تعويضات الدفع النقدي باشكاله المختلفة لفئة المتضررين، الحملات المستمرة لإقناع أفراد الشعب بالتوجه لمراكز اللقاح وتناول المطاعيم بهدف الحماية الطبية، جميعها مقدرة، ونتمنى استمراريتها، مذكرا الجميع بإلقاء نظرة على دول الجوار والمحيط للتوقف عن جلد الذات والابتعاد عن سياسة تقزيم المنجزات ليعرف قيمة النعمة والأمان، فنحن شعب ذكي بالفطرة، مخلص للوطن، عاشق للتراب، يستحق الأفضل، نجتمع تحت المظلة الهاشمية للدفء والحماية بهامات مرفوعة وللحديث بقية.
(الرأي)