أنا لم أفقد فجر يوم الجمعة الماضي مجرد زوجة، لكنني فقدت بفقدان المرحومة بإذن الله زوجتي سميرة المغربي صديقتي وشريكة عمري وعمود حياتي ولحمتها وسداها، فقد اعتدت على مدار ثلاثة عقود عشتها معها هي نصف عمرها ان يبدأ نهاري على صوتها وينتهيّ عليه، حتى عندما كانت تباعد بيننا المسافات بسبب السفر كان صوتها بداية نهاري ونهايته عبر الهاتف، حتى جاء نهار الجمعة ليبدأ بلا صوتها فقد فارقتني مع تباشير فجره، بهدوء ختم الله به هدوء حياتنا المشتركة على مدى ثلاثة عقود، لا أذكر أننا بتنا فيها ليلة على خصام، فقد كان أي خلاف زوجي بيننا على ندرة وقوعه ينتهي خلال دقائق، بفضل صبرها وحلمها وحنانها، وقدرتها على إشاعة الفرح والإيجابية حيثما حضرت، فقد كانت راجحة العقل صاحبة حضور أينما حلت، تنزل الناس منازلهم، صاحبة واجب (موجبة) على رأي عجائزنا.
ثلاثة عقود قدمت خلالها زوجتي الدليل العملي على أن المرأة هي قائد فعلي صانعة قرار وقبل ذلك صانعة للحياة، فقد حملت عني لثلاثة عقود كل تفاصيل الحياة، حتى أنني لم أدخل متجرا حتى لشراء ملابسي وحاجاتي الشخصية، فقد كانت ملكة في أناقتها مجبولة بالنظافة ببعديها المادي والمعنوي، حريصة على أن أتفرغ لعملي العام موفرة لي كل أسبابه ومناخاته، وكانت مستشاري المؤتمن، وأول من ينتقدني عندما اخطئ، أو عندما لا يعجبها مقال من مقالاتي.
لقد عشت معها ثلاثة عقود، هي نصف عمرها مطمئنا هادئ البال، حتى عندما كنت أسافر كنت أسافر مطمئناً مرتاح البال، فبيتي برعاية زوجة صالحة تحفظني وقبل ذلك تحفظ نفسها وبيتها، الذي آثرته على عملها، وقد كانت تشغل موقعا مرموقا في مؤسسة وطنية كبرى، لكنها فضلت بيتها ورعاية زوجها فتركت موقعها إيثاراً لأسرتها، رغم أنها كانت ذات شخصية قيادية صاحبة قرار، لكنها آثرت التفرغ لبيتها وللعمل الخيري والتطوعي.
لقد كان الإيثار صفة بارزة وأصيلة فيها، حتى عندما داهمها المرض في أسابيعها الأخيرة كانت تحرص على راحة من حولها، وتسعى جاهدة على ألا تثقل على أحد، فجعلها الله ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وحشرها مع من قال بهم القرآن (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقى شح نفسه فاولئك هم المفلحون) فقد كانت قارئة للقرآن، صوامة قوامة، لذلك ربت أولادها على تقوى الله وطاعته روادا للمساجد جعلهم الله بدعائهم لها صدقة جارية في ميزان حسناتها، كما كانت محسنة تعطي بيمينها ما لا تعلمه شمالها، ساعية للخير وبالخير، واصلة للرحم حاضة على صلته، تجمع ولا تفرق، لذلك أحبها واحترمها كل من عرفها، وأولهم والدي قبل وفاته الذي كان يعهد إليها ببعض أموره، خاصة ما تعلق منها بالسفر، أما أمي فأحبتها كبنت لها، أما هي فقد كانت تحثني صبح مساء على طاعة والديَّ خاصة امي التي أرجو أن ينفع الله بدعائها وبدعائكم زوجتي رحمها الله وجمعها بها في الفردوس الأعلى."
الرأي