في أعياد الميلاد هذه السنة، ألقى البابا فرنسيس، من شرفة القصر البابوي، رسالة تُعرف بعنوان Urbi et Orbi، أي «لمدينة روما والعالم».
وفيه يعرّف الهموم البشريّة بجولة بانوراميّة على أكثر المآسي البشريّة في الوقت الحالي، وذلك لتشكيل دعوة متجدّدة للسلام ضمن الدبلوماسيّة التي تقودها الكنيسة الكاثوليكيّة في العالم، وتعرف بدبلوماسيّة السلام.
والمُلفت للنظر هذا العام، أنّ مآسي بلدان العرب قد احتلت نصيب الأسد.
فقد ابتدأ البابا بالحديث حول الأوضاع في سورية، وقال: «لنفكر بالشعب السوري الذي يعيش منذ أكثر من عقد حربا خلفت ضحايا كثيرين وأعدادا لا تُحصى من النازحين».
ثمّ انتقل للحديث عن اليمن فقال: «لنصغِ إلى صرخة الأطفال في اليمن، الذي يشهد مأساة رهيبة، منسية من قبل الجميع، وتستمرّ منذ سنوات وسط الصمت، مخلّفةً القتلى كل يوم». وحول بلاد الأرز قال: «لنفكر بلبنان، الذي يعاني من أزمة لا سابق لها، وحيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تبعث على القلق الشديد».
كما رفع قداسته الدعاء من أجل السودان «لكي يخفّف من آلام العديد من الأخوة والأخوات ضحايا الصراعات الداخليّة».
كذلك تطرّق البابا إلى بلاد الرافدين، بعدما قام بزيارة تاريخيّة له في آذار الماضي، فقال: «لننظر إلى العراق، الذي يجد صعوبة في النهوض بعد صراع طويل».
وبمناسبة حديث البابا عن العراق، نعود إلى عام 2002، أي قبل عشرين عامًا، حيث كانت طبول الحرب تقرع ضد العراق، وكان صوت البابا يوحنا بولس الثاني مجلجلاً في وسط أوروبا والعالم حينما كان يقول: لا للحرب، لأنّ الحرب ستكون خسارة للجميع، ولن يكون فيها رابح أو خاسر. وليت العالم أصغى وقتها إلى صوت الاعتدال والسلام والمحبة والحوار، لكان قد جنّب العراق الشقيق العديد من المآسي التي وقع فيها.
أمّا عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فقال: «لنتذكّر التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، المستمرة بلا حلول، مع التبعات الاجتماعية والسياسية المترتبة عليها». كما أعطى كلمة تشجيع لمدينة الميلاد، مدينة بيت لحم، وقال: «لا ننسينّ بيت لحم، المكان حيث أبصر يسوع النور، والذي يعيش اليوم أوضاعا صعبة، أيضًا نتيجة الصعوبات الاقتصادية وليدة الجائحة، التي تحول دون وصول الحجاج إلى الأرض المقدسة، وهي تنعكس سلبًا على حياة السكان».
لم يتحدث البابا فقط عن الدول العربيّة، إنما تحدّث كذلك عن المآسي الإنسانيّة في العالم، وبالأخص في إثيوبيا وجنوب السودان وأوكرانيا وأفغانستان وميانمار ومنطقة الساحل الإفريقي.
كما تطرّق إلى مواضيع الساعة كضحايا العنف ضد المرأة، وضحايا التنمّر والانتهاكات من الأطفال والمراهقين. كذلك رفع الدعاء لكي يعطي السلوان والحنان للمُسنين، والوحدة والطمأنينة للعائلات، والعزاء للمرضى والأشخاص الأشد حاجة، والمكافأة لمن يعتنون بهم. ولم يغفل الصلاة أيضًا من أجل تخطي الأزمة الصحيّة وتبعاتها، ولكي تصل اللقاحات بعدالة ومساواة إلى جميع الشعوب، لاسيّما الأكثر حاجة.
جميل أن يكون هنالك صوت سلمي يذكّر العالم بالمآسي البشريّة التي ليست هي فقط أرقام وأسماء، إنما هي مآس يوميّة. فيكفي أن نشاهد يوميا صور الأطفال الجياع في أثيوبيا الذين يأكلهم الجوع بشكل مخيف نظرًا لمنع وصول المساعدات الإنسانيّة إلى العائلات المنكوبة. وهذا يشكّل صرخة لإحياء الضمير النائم في هذا العالم. وطبعًا لا ننسى بأنّ الوباء الذين مازال متفشيًّا في العالم، وفضلاً عن أنّ هنالك إصابات عديدة في كلّ أنحاء العالم تقريبًا، إلا أن هنالك دولاً لم يصلها اللقاح بعد، وبالتالي يشكّل هذا الأمر خطرًا على السكان، وخطرًا على العالم أجمع في استمرار ظهور متحورات جديدة، ناهيك عن المعضلة الأخلاقيّة بعدم وجود العدالة والمساواة بين جميع البشر، ففي حين أن بعض البلدان بدأت بإعطاء الجرعات الثالثة وحتى الرابعة، إلا أن هنالك دول مازالت تفتقر إلى الجرعة الأولى من اللقاح.
ولا تستطيع رسالة رجل الدين أن تقدّم حلولاً فورية للمعضلات السياسيّة، لكنها تقدّم المفتاح لحلها، وهو الحوار الذي تفرز له رسالة حيّزًا كبيرًا، فهنالك خطر على المستوى الدولي في عدم الرّغبة في الحوار، وخطر أن تؤدي الأزمة المعقدة إلى اختيار أقصر الطرق بدلاً من طرق الحّوار الأطول، وهذه وحدها، في الواقع، تؤدي إلى حلّ النزاعات وتحقيق منافع مشتركة ودائمة.
(الرأي)