منذ الانقلاب "المعكوس" في نيسان1957، على حكومة "سليمان النابلسي"، أول حكومة برلمانية، ودوائر الحكم عندنا، ومعها نخب "ببغاوية" تناسلت في الليل العرفي الطويل، لغياب الحرية والحياة الحزبية والبرلمانية الحقة، وهي تجتر مخاوفها وعقدها من عودة الأحزاب، وتمكنها من تشكيل الحكومات البرلمانية، حتى أضحينا مثل مواطني مدينة "كافافي" البيزنطية، الذين أمضوا أعمارهم بإنتظار تسليم مدينتهم للبرابرة، وإذا بهم يفاجؤون أنه لاوجود للبرابرة...!
ما إن تحركت العربة الملكية للإصلاح، في الصيف الماضي، وقبل أن تدور عجلاتها دورتها الأولى، حتى تحركت كتائب "مُجحفلة" من مُنتفعي "الأمر القائم" من كل شاكلة ولون، في جهدٍ مُنسق، لإعاقة تلك العربة، ووضع العصي والألغام في، وأمام دواليبها!.
فمرةً لا يعجبهم قوام "اللجنة"، ولا رئيسها، وتارةً فزاعة الوطن البديل، وطوراً العبث بالهوية، وآخرها الرعب من "الأردنيات" وكل "تاء تأنيث" في الدستور والقوانين...!.
ولأن الاستبداد، كما يقول "الكواكبي"، لا يقاوم بالشدة، إنما يقاوم باللين والتدريج، فقد ارتأى العرش والشعب، المتضررين معاً، من بقاء الحال على ما كان عليه في الحقب الماضية، أن يلجا درباً، طالما نادت به الفئات الواقعية والمستنيرة، ممن هي في مواقع الحكم او في خنادق المعارضة، وفي لحظة صحوٍ نادرة من الإلهام، ما بعد "الهزات" التي عصفت بالوطن في الربيع الماضي...!.
هي "الأحزاب" إذاً..."ضاعت ولقيناها"...! فيا من اعتدتم موالاة الحكومات: لكم أحزابكم، ويا من تعارضونها، فلكم مثلها، فلماذا لا نأتي جميعاً إلى "كلمةٍ سواء"، ولنترك كلمات السوء، ولنبدأ ورشة البناء، ولنبقي عيوننا وعقولنا وقلوبنا مفتوحة، ولنذهب جميعاً إلى "تسويةٍ تاريخية"، فما لا يدرك كله لا يترك جله...!.