مجلس الامن القومي الاردني ضرورة وطنية
عمر الرداد
07-01-2022 01:57 PM
ليس مستغربا ان تثير اية تعديلات دستورية هذه الجدالات والحوارات، لاسيما وانها تطال قوانين الاحزاب والانتخابات النيابية وبرامج تمكين المرأة والشباب، ويجري تناولها في ظل حالة عنوانها فقدان الثقة والشكوك في الاداء العام لكافة القوى الفاعلة في الدولة من: برلمان وحكومات ومعارضة وموالاة عززتها ازمات اقتصادية حادة، ومخرجات تصريحات رؤساء حكومات سابقة ترسم صورا متشائمة ،فيما الجميع يعالج تلك الملفات الخلافية بمرجعيات افقية وعامودية.
مؤكد ان هناك ادراكا من قبل غالبية القوى ان تحديثات منظومات التشريعات والقوانين الجديدة المعروضة على مجلس النواب حاليا، بما فيها مجلس الامن القومي الاردني،اكثر جدية من اية مشاريع سابقة، وانها تهيء لأردن جديد"شكلا ومضمونا" وهو ما يفسر التخندق في تأييدها او رفضها والتحذير من نتائجها، بمرجعيات الخسائر والمكاسب لكل القوى والمكونات، رغم ان اية اصلاحات سيترتب عليها خاسرون ورابحون، بمعايير ومقاربات ما قبل الاصلاح.
مجلس الامن القومي، ربما يكون صيغة جديدة بالاسم، لكنه بالمضمون قائم عبر منظومة ثابتة في الدولة الاردنية "مجلس الدفاع الاعلى، مجلس السياسات، والمركز الوطني لادارة الازمات...الخ" وبتشكليته نفسها التي اقرها البرلمان وبالمهام ذاتها، وهو ما يعني ان هذا التشكيك باهدافه وسياقات ولادته ربما تكون خضعت لتصورات ومقاربات ذاتية تتجاوز ابجديات مفهوم الدولة الاردنية الحالية قبل وبعد التعديلات الدستورية.
لا شك التعديل استشرافي وكان لا بد من دسترته وقوننته لاحقا، في ظل تغييرات شملتها المؤسسات الامنية بدمج الدرك والدفاع المدني مع الامن العام، اللذين كان مديراه اعضاء في مجلس الدفاع، وتغييرات قادمة ستترجم في شكل الحكومات ومجلس النواب والحياة الحزبية والهوية الجامعة التي تم قتلها بحثا "رفضا وتأييدا" بمرجعيات لا تعكس الا نظرات قصيرة للمكاسب والمخاسر الضيقة، رغم احد ابرز مرادفاتها هي "الهوية العادلة".
اعتقد ان الاردنيين اليوم يدركون ان لا المجالس النيابية "باستثناء مجلس 89" ولا الحكومات المتعاقبة قادرة على تلبية امال وطموحات الاردنيين، في ظل ازمات داخلية بعناوين اقتصادية ضاغطة، ومتغيرات اقليمية عميقة، تجعل وضع خطط استراتيجية طويلة المدى في بناء التحالفات والتفاهمات امرا ليس سهلا، وبالتزامن فان ما جرى في مجلس النواب خلال الاسبوع الماضي على هامش مناقشات المجلس لتعديلات ليست الاهم في التعديلات التي قدمتها الحكومة، يقدم دليلا على صوابية هذا الادرك، وربما من المبالغة القول ان الحكومات السابقة او المجالس النيابية السابقة كانت بحال افضل من هذا المجلس، فكلها نتاج اجواء من الياس والاحباط وفقدان الامل، كشفت عنها نسب التصويت في الانتخابات وامراض المال السياسي والتزوير، والذي تساوت في الوقوع ببراثنه المعارضة مع الموالاة، فيما التعديلات المتكررة على الفرق الوزارية للحكومات عكست هي الاخرى حالة الاحباط نفسها.
مجالس الامن القومية ليست بدعة اردنية، فهي موجودة في كل الدول "الديمقراطية والدكتاتورية"وما يحدد تقييمها هو مجموع اداءاتها بمرجعية الحفاظ على مصالح الدولة الاردنية داخليا وخارجيا، تلك المصالح التي يجب ان نعترف انها موقع شد وجذب بين المكونات الاردنية، وسأدلل على ذلك بمحطتين بارزتين، الاولى: ما يطرح في اوساط حراكات وقوى منظمة من شعارات لا ترى في الاردن الا دولة تابعة لدول الخليج او لسوريا او العراق او حتى لإيران ولتركيا، او هي امارة من خلافة اسلامية واسعة، والمحطة الثانية: وهي طبيعة الحضور "الاردني" لاحتفالات سفارات عربية واسلامية بعيد استقلال بلدانها، وبما يتجاوز عكس روح التضامن العربي والاسلامي، ناهيك عن هذا الحجم من المحتوى الاعلامي الذي يظهر استعداد "اردنيين" لخوض معارك ضارية لصالح هذه العاصمة او تلك، وحتى بعد ان تصالحت تلك العواصم ما زال "اردنيون" يصرون ان المعركة متواصلة وان على الاردن ان يكون تابعا لهذا الطرف او ذاك.
مجلس الامن القومي الاردني ليس جهازا تنفيذيا ولا سلطة جديدة، والاردن لم يبتدع هذه الصيغة، بل انه تأخر في انجازها، وهو مجلس من الواضح ان هدفه ضبط انحرافات عميقة لكل الجهات التي لا ترى في الاردن اردنا مستقلا، وتريده تابعا لهذا او ذاك، منفذا لبرامج واستراتيجيات واجندة الاخرين.
* خبير امن استراتيجي / مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية