facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العدوان يكتب: دقت ساعة الحقيقة (2)


د. رائد سامي العدوان
06-01-2022 06:18 PM

كنت قد تطرقت في مقالي السابق إلى المعارك الفرعية (غير المباشرة) التي بدأها معسكر خصوم التحديث في بلدنا العزيز ، ولا نبالغ إن أسميناهم : "خصوم المئوية الثانية الموضوعيين "، وذلك على إثر فشل معركتهم المباشرة ضد "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية " ومخرجاتها ورئيسها وأعضائها ، وانتهيت إلى ضرورة إفراد مساحة خاصة لكل معركة فرعية على حدة، وهو ما سأحاول فعله بدأ من هذا المقال ، مع تعديل بسيط ، وهو أنني سأبدأ من آخر المعارك وأعود رجوعا.

تتمثل آخر جولات الصراع حول مخرجات "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية " في اللغط المثار حول التعديلات الدستورية. لغط يرجع بالأساس إلى أن معارضي هذه التعديلات ينزعونها من سياقها الكلي ، ويصرون على تناولها مجزأة. فأي محاولة لفهم هذه التعديلات بمعزل عن مخرجات لجنة الأحزاب والانتخابات والادارة المحلية وباقي اللجان ستبوء حتما بالفشل. حقيقة نذكّر بها قبل الدخول في التفاصيل.

إن نقاش صلاحيات جلالة الملك في تعيين شاغلي بعض المناصب بهدف تحصينها تجاه التجاذبات السياسية، لا يخص الواقع الحالي فحسب، بل هي تعديلات تستشرف المستقبل وتتحسب له، وتنسجم مع سعي جلالته الحثيث للوصول ببلادنا إلى حياة حزبية قوية ، يجري التنافس بين مكوناتها وفق برامج مضبوطة لنيل ثقة الأردنيين واحتلال مقاعد برلمانهم. وفي وجود مثل هذا الواقع، يستقيم الحديث ساعتها عن تحصين بعض المناصب والهيئات والاختصاصات من التجاذبات الحزبية. وبهذا المنطق، يمكن فهم لماذا اختارت بعض الدول (كالمغرب مثلا) إنشاء مجلس للأمن القومي برئاسة الملك ؟

يكون إطارا تنسيقيا بين السلطات الثلاث في القضايا الاستراتيجية الكبرى التي تمس أمن الوطن والمواطن فحسب، ولا يتدخل في أمور تسيير الشأن العام المعتادة التي توجد في ولاية الحكومة والسلطتين التشريعية والقضائية. أما عندنا، فقط امتشق مجلس نوابنا الموقر سيف "ولاية الحكومة" ليجهض مقترح الحكومة، وكأن جلالة الملك بحاجة إلى مصادرة صلاحيات الحكومة أو منازعتها ولايتها العامة.

لكن لو عدنا إلى صلب موضوع الاختصاصات الملكية، ربما من المفيد التذكير ببعض الحقائق التي يتناساها أو يتجاهلها من يخوضون في الموضوع. الأردن بلد ضارب في أعماق التاريخ، ولم تبدأ ثقافة شعبه وحكامه السياسية في التشكل مع الاستقلال قبل مئة سنة. وعليه، فمن الجيد لهواة "استنساخ" التجارب العالمية ومحاولة تطبيقها في بيئة مغايرة لبيئتها، أن يتذكروا أننا لم نعهد على امتداد تاريخنا العربي كله ، ملكا "يملك ولا يحكم "! وعليه ، ستبقى للمؤسسة الملكية صلاحيات وأدوار مفصلية حتى مع اعتماد خيارات أخرى "كالملكية الدستورية أو البرلمانية " في مرحلة ما ومع تطور نظامنا السياسي. أدوار تتيح للجالس على العرش الهاشمي الذود عن مصالح أبناء الوطن التي يمكن أن تتهدد، نتيجة الصراع السياسي بين الأحزاب والفاعلين الاقتصاديين أو الاجتماعيين.

إن امتلاك جلالة الملك المفدى لصلاحية توجيه دفة البلاد في القضايا الاستراتيجية الكبرى، سياسية كانت أم اقتصادية، هو أمر من المتوقع أن يصبح ضرورة يقودنا إليه نضج تجربتنا الحزبية خلال عقد من الزمن. نضج سيقود بالمقابل إلى تمتع هذه الحكومات الحزبية البرامجية بصلاحيات أوسع في إدارة الشأن العام وتنفيذ البرنامج الذي انتخبهم الناس على أساسه. وإذ استلهمنا شجاعة سيدنا في تسمية الأمور بمسمياتها ، فلا يمكن إلا لجاهل أو جاحد أن يتعامى عن وجود سلبيات كثيرة للحكومات الحزبية ، بجانب إيجابياتها العديدة التي لا تنكر ، ما سيكرس حقيقة كون جلالة الملك بصلاحياته المحصنة هو الضامن الحقيقي لعدم طغيان فئة على أخرى. فالتجارب من حولنا تظهر مدى ضيق الأفق والتفرد الذي أدارت به الأحزاب الإسلامية أمور دولها، عند تمكنت من تسلم مسؤولية إدارة الشأن العام. أما الأحزاب الاشتراكية فتجاربها الاستبدادية وشعاراتها الطوباوية لا تزال حاضرة في الأذهان عربيا ودوليا. وبدورها، فالأحزاب الليبرالية تعاني من مرض مستحكم سمته الأساسية نقص أو انعدام حساسيتها الاجتماعية، وتجاهلها الدائم لاحتياجات الفئات الفقيرة في المجتمع.

وحتى الأحزاب القومية فهي سيدة الخطابة والشعبوية، في مقابل أن الأحزاب المبنية على أسس فئوية ومناطقية لا تستطيع التفكير خارج دائرتها الضيقة. ولا يظن أحد أن هذه التوصيفات تغفل حسنات كل واحد من هذه التيارات والأيديولوجيات، أو تسعى لتبرير التراجع عن تجربة الحكومات البرامجية الحزبية، بل العكس تماما، حيث ورغم إدراكنا لهذه النواقص، اجتهدت "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" وبالخصوص لجنة الأحزاب في ترجمة حرص سيدنا على تمهيد الطريق لحكومات حزبية قوية، ستضطرها نتائج الانتخابات، على الأغلب، إلى تشكيل حكومات ائتلافية، تضطر فيها بالضرورة إلى تنحية أيديولوجياتها جانبا، والاتفاق على برنامج وسطي لما تعتقد هذه الأحزاب أنه يلبي مصالح المواطنين.

أخيرا، فإن منطق بناء الدولة في مئويتها الثانية، يتطلب توزيعا للأدوار والصلاحيات بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين لا تنازعا حولها وتكديسا لها لدى طرف دون آخر. ووفق هذا المبدأ، فقد أظهرت مؤسسة العرش وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله الثاني المفدى على وجه التحديد، من خلال الأوراق النقاشية والوقفة الشجاعة للدفاع عن مخرجات لجنتنا، إدراك جلالته العميق إلى أن العرش القوي يحتاج حكومات حزبية قوية، وهو ما يتطلب بالمقابل، أن ترتفع الطبقة السياسية برمتها إلى هذا المستوى من الوعي، وتدرك أن الحكومات الحزبية القوية لن ترى النور إلا بواسطة مؤسسة ملكية قوية، تقف على مسافة واحدة من مختلف الفرقاء السياسيين، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وتمسك بزمام الملفات الاستراتيجية الكبرى لإبعادها عن التجاذبات السياسية. باختصار، على طبقتنا السياسية ومن اعتدنا ان ننظر إليهم على أنهم "رجال دولة"، أن يتوقفوا، لمصلحتهم ومصلحة الوطن، عن حالة التجاذب الحاصلة حول صلاحيات جلالة الملك، وأن يعطوا الانطباع أن ما يحاولون القيام به هو مجرد "تقنين" بل وتحصين لصلاحيات سيدنا لا "تقليم" وتقليص لها.. وللحديث صلة!!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :