كنت عائداً بأمان الله لبيتي مستخدماً الشارع التنموي و كالعادة ملتزماً بالسرعة المرورية. أتاني هائجاً عن بُعدْ و أنا أتجاوز شاحنتين على يميني و ناظراً لفسحةٍ مناسبةٍ لكي أُعطيه المجال ليمر. لم يتئن و اقترب كثيراً و برعونة.
هو شاحنةٌ مخيفةٌ طويلةٌ. ابتعدتُ يميناً عندما استطعت و لم يرق له حرصي أن لا أفعل ذلك مبكراً رغم رؤيته للشاحنتين عن يميني و الحاجة لتجاوزهما بهامشِ أمانٍ كافٍ قبل أخذي المسرب اليمين. عبرني مزمجراً ثم لترويعي انزاح لليمين مؤرجحاً مقطورته الطويلة جداً تجاهي.
ثم استعد وسابق الريح باتجاهِ طريق المطار. لو نجحَ بدفعي لكنتُ تدهورت و لمضى هو مجرماً، لكن اللهُ سلَّم.
كلما اجتمعتَ بصديقٍ أو قريبٍ كان ثالثكما أهوال و جرائم المرور. نعم، آلاف السائقون ملتزمون لكن تفاحةً فاسدةً تُفسدُ صندوق تفاح صالحٍ مع الوقت و يكفي سائقٌ واحدٌ أرعن لخراب بيت. و لا نستطيع التباهي بمن يلتزم كأن السائق الأرعن خيال. فعندما تتألم من سِنٍّ معطوبٍ بفمكِ لا تتغنى بباقي الأسنان التي لا تؤلمك.
أما آن الوقت لتناول جرائم الشارع بحزمِ تناول جرائم أُخرى؟ الأسئلة البسيطة التي أسألها هنا سؤِلت من قبل و قد تساعد في ضبط الجريمة قبل وقوعها.
لماذا لا توجد دوريات مرور ثابتة و متحركة بعددٍ كافٍ في الشوارع ذات الكثافة و السرعات العالية؟ لماذا لا يوجد حواجز مرورية متعددة للتأكد من السائق و السيارة؟ لماذا لا تُحدد الشوارع بالخطوط الأرضية الواضحة؟ ويُخالف من يتجاهلها؟ لماذا لا تُهندس الطرق بمعرفةٍ مروريةٍ مثلما بباقي الدول الأفضل منا في هذا الشأن؟
ليس من المعقول أن تتحول السياقة لأذى و نكد و خوف و تخويف و شروع بالجريمة لمجرد أن أحدهم يستعرض أو يستقوي. وليس من المعقول أن نطلب أو نتوقع انعدام الحوادث فهي ستحدث لكن الأكيد أنها و الاستقواء في الشارع الذي يسبب معظمها يجب أن يكونوا الاستثناء لا القاعدة. و لجعلها الاستثناء فيجب اتباع إجراءتٍ حازمة و ظاهرة و فاعلة من قبل الدوريات الأمنية بأنواعها في الشارع. أنا لست صاحب الاختصاص و لكنني أتوقع أن السائق الأرعن سيتوخى الحرص لمعرفته بأماكن الدوريات و الكاميرات، و هي شبه ثابتة، فينضبط قبلها و بعدها بقليل ثم يعاود الاستهتار. و الحل هو بتبديل أماكن الدوريات و زيادة عددها و إضافة عنصر المفاجأة في الشارع. و كذلكَ بتفعيلِ كل أمنٍ عامٍ لضبط المخالف وليس قصرها على دوريات السير.
القضية ليست في السرعة و حسب بل باستخدام الهاتف و تظليل الزجاج وعدم استخدام الإشارات الضوئية و استخدام الإضاءة العالية و الاقتراب الخطير و السير البطيء جداً و احتلال المسارب فلا شمال و لا يمين و السياقة و الطفل في الحضن و خروجه من فتحة السقف و مواكب الفرح و الترح المعيقة و الاستهانة العلنية بالضوء الأحمر و عدم فتح الطريق للإسعاف و الدفاع المدني و غيرها كثير مما حَوَّل الشوارع لفوضى لا تكل و لا تمل.
كنا نقول أن التربية في البيت هي الأساس. و في زماننا نزيد على البيت الشارع فهو بحاجة لتربية. ربُّوه!