facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اجندة لتطوير القطاع العام وإصلاح الإدارة الحكومية 3


محي الدين توق
05-01-2022 01:02 PM

تطرقت في المقالتين السابقتين لبرامج وخطط الإصلاح الإداري في المملكة في الثلاثين سنة الأخيرة واشرت لبعض الأسباب التي حالت دون تحقيق هذه البرامج والخطط لأهدافها مثل غياب الرؤية الشاملة لإصلاح القطاع العام والتركيز بدل ذلك على الجوانب التقنية الإجرائية لتحديث الإدارة الحكومية، وفقدان ثقة المواطنين والموظفين بالبرامج والخطط واعتبارها برامج وخطط حكومية تنتهي بتغير الحكومات وليست برامج وخطط دولة ثابتة واجبة التطبيق. كما تطرقت لبعض القضايا والاشكاليات الاستراتيجية التي لابد من معالجتها لتطوير القطاع العام مثل حجم الحكومة، والبنية التنظيمية للدولة، والترهل الإداري، وهيكلية التنظيم الداخلي للدوائر والمؤسسات، والكم الزائد من التشريع والتنظيم (Over- regulation)، والمركزية والتركز الزائد عن الحد. وفي هذه المقالة سأتطرق لبعض القضايا الأساسية في الجوانب الإجرائية التقنية التي تحتاج لتطوير حقيقي لإصلاح الإدارة الحكومية.

ركزت الإصلاحات الباكرة في الأردن على صنع السياسات ووضع الاستراتيجيات، بينما تركز الكثير من الإصلاحات الحالية على وحدات تقديم الخدمات ومراقبة الأداء وتقييمه. كما انجز ديوان الخدمة المدنية منذ إنشائه اعمالا جليلة اسهمت في الارتقاء بالإدارة الحكومية بحيث أصبحت في عقود سابقة مضرب المثل بين الدول العربية المجاورة. ومن هذه المنجزات وصف وتصنيف الوظائف، واسس ومعايير اختيار الموظفين، وربط المسار الوظيفي بالمسار التدريبي، واسس ومعايير تقييم الأداء الفردي والمؤسسي، وتنمية الموارد البشرية وتخطيطها.

ويعتبر نظام الخدمة المدنية لعام 2020 من الأنظمة المتطورة، وخاصة في نظرته لتنمية وتخطيط الموارد البشرية. صحيح ان أي نظام يحتاج الى التطوير بين الفينة والأخرى، الا ان العلة الاساسية في الإدارة الحكومية الأردنية لا تكمن في التشريع بقدر ما تكمن في التنفيذ الأمين والدقيق، والالتزام بقواعد العمل السليمة، والرقابة والمساءلة الحقيقيين، والاستدامة والشغف. والكل يعلم بان التنفيذ، قبل كل شيء، هو بيد البشر، من الموظفين والمدراء، كما ان الرقابة والتقييم والمساءلة مهمات ينفذها البشر، ولذا فان صلاح الإدارة في أي مكان او أي قطاع هو من صلاح البشر، وصلاح التنظيمات والتدابير التي توجه سلوكهم وتضبطه.

في هذا السياق قدر خبيران من خبراء البنك الدولي الضليعين في الشأن الأردني في كتاب حديث صدر لهما بعنوان "اصلاح القطاع العام في الشرق الأوسط وشمال افريقيا" ان الإدارة الأردنية عموما، وإدارة الموارد البشرية خصوصا، تعاني من عدد من المشكلات التي لابد من معالجتها بطريقة منهجية ومنظمة لتحقيق أي تقدم في كافة برامج الإصلاح، وهذه المشكلات هي:

• تدني الروح المعنوية لدى الموظفين.
• ضعف نظام الحوافز والجزاءات.
• نزعة الموظفين المتزايدة لعدم الالتزام بقواعد العمل الى حد التسيب أحيانا.
• تدني نوعية الخدمات الحكومية.
• العمل غير المتكافئ والتفاوت الواضح في أعباء العمل.
• ضعف او غياب التنسيق والعمل الفريقي.
• ضعف وصف الوظائف وقواعد العمل الإجرائية.
• ضعف الانضباط سواء ما تعلق بالدوام او انجاز المهمات.
• ضعف المعرفة التخصصية ومهارات العمل المطلوبة وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
• المركزية الزائدة عن الحد على مستوى الدولة والتركز الإداري على مستوى الدوائر والمؤسسات.
• ضعف إطار المساءلة الإدارية والقانونية.
هذا وقد ظهرت في السنوات الأخيرة مشكلات جديدة يمكن اضافتها لقائمة المشكلات أعلاه، ومنها:
• نزعة تصعيد الأمور للأعلى من اجل صناعة القرار تجنبا للمسؤولية، او خوفا من المساءلة، او الاتهام بالفساد.
• نزعة الإحالة للجان تهربا من المسؤولية الفردية، او للكسب المادي الناجم عن عضوية اللجان.
• الاختباء وراء سلطة اعلى (القصر/الديوان/الأجهزة/الرئاسة/الوزير) لتمرير القرارات.

ان معظم من عمل في الإدارة الأردنية العليا يتفق مع قائمة المشكلات الواردة أعلاه، ويمكن ان يزيدوا عليها مشكلات أخرى. وكما يبدو واضحا، ان معظم هذه المشكلات على علاقة بالموارد البشرية وكيفية ادارتها وتخطيطها. ولذا فان اصلاح الخدمة المدنية كنظام (As a System) بدا بكيفية اختيار الموظفين، وتعيينهم، وتقييمهم، وتثبيتهم، وتدريبهم، وترقيتهم، ورواتبهم...الخ، يقع في صدارة اجندة تطوير القطاع العام وإصلاح الإدارة الحكومية. وبناء على المعطيات السابقة يمكن تحديد عشرة محاور رئيسية لأجندة التطوير والإصلاح المطلوب مبدئيا، وهذه المحاورهي:

• محور معايير وقواعد وإجراءات اختيار الموظفين، بما في ذلك اختيار القيادات الإدارية (رؤساء الأقسام/ مدراء الوحدات الإدارية/ المدراء والامناء العاميين/ المفوضين/ المستشارين)

• محور قواعد العمل المعيارية (Standard Operating Procedures) والمؤشرات الدالة على التنفيذ السليم للقواعد.

• محور تمكين الموظفين من خلال التدريب والتأهيل، والترقية، والبعثات، وغيرها.

• محور قواعد وإجراءات وتدابير الرقابة على العمل وجودة المخرجات.

• محور المساءلة الإدارية والقانونية والمجتمعية.

• محور نظم الجزاءات، الإدارية والقانونية، والمكافآت المالية وغير المالية.

• محور المعلومات ودعم القرار ورسم السياسات القطاعية،

• محور التنسيق البيني والمؤسسي والعمل الفريقي.

• محور إدارة الازمات وحل المشكلات، والصراعات، والتحوط، والابتكار.

• محور ضبط الفساد، والانحرافات الاجتماعية، وتعزيز النزاهة، والاستقامة.

يتضح من الاجندة المذكورة أعلاه ان اصلاح حوكمة وإدارة القطاع العام يجب ان تعطى الأولوية القصوى في جهود التطوير والإصلاح الجارية حاليا في المملكة، ليس لان هذا النوع من الإصلاح مطلوب بحد ذاته، بل لأنه من اهم العوامل في نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي والتقدم والازدهار بشكل عام. وبنفس الوقت لا يجب ان يغيب عن البال ان تحديات الاقتصاد السياسي في الأردن، شانه في ذلك شان كافة المجتمعات التقليدية، تشي بان تنفيذ إصلاحات نظم المدنية هي الأكثر صعوبة واثارة للجدل، اذ ان هذه المجتمعات، كما يقول عالم الاجتماع المشهور ماكس فيبر، تتأرجح بين غلبة السلطة العقلانية النظامية ووظائفها المنطقية والمحددة الضرورية للازدهار والتقدم، وغلبة السلطة الابوية القائمة على تقاسم الريع ووظائفها المبعثرة وغير المنضبطة. وفي هذا السياق فانة على الرغم من ان بعض معطيات نظام الخدمة المدنية الأردني ينسجم مع قيم الحداثة العقلانية، الا ان إعلاء مبدا الاقدمية في التعيينات والترقيات بدعوى العدالة يتعارض مع قيم الكفاءة والأهلية والجدارة. ولذا يجب إيجاد حلول خلاقة لمراعاة الحساسيات والتوازنات الاجتماعية، وبنفس الوقت الاخذ بعين الاعتبار ان الأجيال الجديدة، الممًكنة تكنولوجيا، تنتظر متحفزة للولوج لعالم العمل والإدارة.

ان الانتقال للاختيار القائم على أسس الكفاءة والجدارة والأهلية، وضرورة الاخذ بمبادئ العدالة والحق في التنمية البشرية المتوازنة، معادلة من أصعب المعادلات التي يجب التعامل معها بأقصى درجات الحنكة السياسية، وبنفس المقدار من الاهمية يجب اغلاق كافة المعابر التي يتم استغلالها للتعيين العشوائي القائم على المحسوبية، او المناطقية، او الفئوية، او الجهوية، او الزبونية وغير ذلك من الاعتبارات خارج ما ينص علية التشريع.

من المعلوم ان عددا من الموظفين قد تسللوا للوظيفة العامة من خلال المعابر السابقة، او لغيرها من الأسباب. وهؤلاء الموظفين لن يأبهوا كثيرا لأسس الرقابة والتقييم والمساءلة لاعتقادهم بانهم يتمتعون بالحماية، وسيرتقي غالبيتهم بالوظيفة العامة تدريجيا، وقد يحتلون مواقع قيادية مستخدمين نفس الأسس التي دخلوا من خلالها للوظيفة العامة. ولذا لابد ان تتضمن برامج وخطط التطوير إجراءات للتعامل مع هذه الفئة من الموظفين لأنهم يشكلون قوى شد عكسي لا يستهان بها. ومن اجل التعامل مع هذه المشكلة وحلها لجأت عديد الدول لبرامج إعادة التأهيل، والارتقاء بالمهارات، او التقاعد المبكر، او الإجراءات التحفيزية لترك العمل.

اما فيما يتعلق بالقيادات الإدارية العليا، فيجب ان يتم اختيارهم بمنتهى الدقة والمسؤولية والموضوعية، ويجب ان يحكم عملية الاختيار معايير الكفاءة والأهلية والجدارة والصفات القيادية فقط، اذ ان هذه القيادات هي التي يعول عليها قيادة التغيير والتطور، الا ان هذه العملية تعاني من إشكاليات متعددة لابد من التعامل معها بجدية وحزم، والا فإن قطار التحديث لن يقلع ببساطة. وهذه الإشكاليات على علاقة بالمعايير، والإجراءات، والمنهجية، والامتيازات. ان من المعلوم ان بعض الكفاءات الإدارية الأردنية المعتبرة لا تتقدم للتنافس على الوظائف الإدارية العليا، اما لضعف الحوافز المالية مقارنة بالقطاع الخاص او بعض دول الجوار، او لاعتقادها بان هذه الوظائف مخصصة لفئة معيبة من المحسوبين على الدولة، وما الإعلان عنها الا لاستكمال الجوانب الإجرائية، أو لقناعتهم بانسداد الأفق امام التغيير والتقدم وإمكانية استخدام مهاراتهم بشكل فعال. وفي اثناء عملية الاختيار يتساقط حوالي ربع المرشحين لأسباب ليس لها علاقة بالخبرة او الكفاءة، كما يتم استبعاد من شارف على سن الستين في وقت أصبح فيه متوسط العمر في الأردن حوالي 74 عاما.

وفي المحصلة العامة يفقد الوطن عديد الكفاءات التي يمكن ان تسهم في تطوير الإدارة وتقدم الدولة. وقد لاحظت شخصيا عبر عملي الحكومي وعضويتي لعديد لجان الاختيار تراجعا ملحوظا في مستويات بعض المتقدمين للوظائف القيادية من النواحي المعرفية والمهارية، ولدي على ذلك امثلة محزنة. فأحد المتقدمين لوظيفة تتطلب مهارات عليا في قيادة التغيير لم يسمع قط "بنموذج كوتر" في قيادة التغيير، وهو من أشهر النماذج، وثان لم يعرف من هو "ابن رشد" على الرغم من انه حصل على شهادته في الدكتوراة من جامعة تحمل اسم ذلك المفكر والفيلسوف الإسلامي العريق وكان يرى اسمة صباح مساء على مدخل الجامعة، وثالث لم يسمع عن "محمد شحرور" ولم يقرأ له كتابا على الرغم من انه تقدم لوظيفة على علاقة بالوعظ والإرشاد الديني، ورابع لا يعرف استخدام الهواتف الذكية او لم يطلع على الموقع الالكتروني للدائرة المتقدم للعمل فيها في عصر التقانة التي نعيش اجواءها. ولهذه الأسباب والاشكاليات مجتمعة لابد ان تشمل اجندة تطوير القطاع العام وإصلاح الإدارة العامة بندا خاصا باختيار وتعيين القيادات الإدارية العليا وتأهيل القيادات الإحلالية بشكل ممنهج ومدروس.

ان الاجندة التي اقترحتها في هذه الورقة والورقتين السابقتين ما هي الا امثلة عما يجب بحثة وعملة بجدية وإخلاص لتحديث الإدارة الحكومية الأردنية والارتقاء بها خدمة للوطن والمواطن والولوج الامن في المستقبل، وما من شك بانة يمكن الإضافة لهذه الاجندة بنود أخرى كالحكومة الالكترونية واتمتة الخدمات والعمل من بعد وغيرها.

* كان اول وزير لوزارة التنمية الادارية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :