هناك حالة تراشق بين كل السياسيين في الاردن، فالمسؤول السابق يتهم الحالي، والحالي يتهم السابق، وهناك دوامة كبرى من الكراهية وتحميل المسؤوليات يتم تصنيعها بطريقة غريبة.
القصة ليست حكرا على السياسيين، فالشخصيات السياسية من خارج المسؤولية الرسمية، والجهات السياسية، او الحزبية او النيابية، تتبادل الاتهامات ايضا، والكل يدق في عنق الآخر، وفوق هذا، هناك نهش عام في جسم الدولة، الذي يجري اضعافه واسقاطه بسبب كل هذه الخلافات الحادة، بين الكل، بما يشكل حالة انقسام غريبة، نعيشها اول مرة، ويؤكد الحاجة الى ضبط الايقاع الداخلي في الاردن، خصوصا، ان هذا المشهد ليس حكرا على النخب، بل امتد شعبيا، حيث الكل يشكك وينتقد ويكذب، وهناك حالة من السوداوية تطغى على كل المشهد.
نحن مثل الجمهور في المدرجات، الذي قرر ان ينزل الى الملعب ويشارك في المباراة، فلا تعرف اليوم اين لاعبو الفريقين، واين الجمهور، واين باعة المشروبات، واين بقية المساعدين والمراقبين، فالكل في الملعب، ولا يتورع احد عن آخر، وهذه حالة خطيرة يتوجب وقفها لكلفتها اللاحقة.
لا يمكن هنا ان نتهم كل هذه الاطراف بالعدمية، او محاولة اخلاء المسؤولية وحسب، فهناك مشاكل كبيرة، وازمات صغيرة، وتجري عملية توظيفها في صراعات لها بداية وليس لها نهاية، لكن العقدة هنا تمكن في ان الكل تقريبا يتهم الكل بالمسؤولية عما وصلنا اليه، واذا كان الكل بريئا ويتهم غيره، فمن اين جاءت هذه الحالة التي نعيشها اذا كان الكل يتهم طرفا ثانيا؟ على الرغم من اننا جميعا شركاء في هذا المشهد، عبر تصرفاتنا الصغيرة، او اخطائنا الكبيرة التي تترك ضررا.
لا بد من ضبط ايقاع الداخل الاردني عبر عدة خطوات، اولها الاستماع الى مشاكل الناس، ومظالمهم، وحل هذه المشاكل، وايجاد حلول بدلا من ترك الناس لهذه الحالة من الشعور بالمظلومية، وتفشي الفساد، وغياب المستقبل، وغير ذلك من خلال مشاريع وخطط كبرى، لتوحيد الجمهور مجددا بدلا من حالة الانقسام السائدة الآن، وثانيها التخلص من كل الاسماء والاشخاص والممارسات والسياسات التي جلبت هذا الوضع، فلا يعقل ان نستمر بذات الطريقة برغم كل المؤشرات السلبية التي تتنزل علينا، في بلد يواجه ظرفا ليس سهلا، وثالثها ان يتم شد العصب العام نحو المشروع الوطني الموحد بمعناه السياسي، من حيث الفاعلية والحضور والدور، ودعم الكفاءة، وغير ذلك، وبمعناه القانوني من حيث سيادة القانون، والعدل، ومحاربة الفساد، وانماط الخلل التي نؤشر عليها يوميا، وبمعناه الاقتصادي من حيث توفر فرص الحياة، وانعاش الاقتصاد، وايجاد فرص العمل، واسترداد المؤسسة الاجتماعية التي تتفكك بسبب العزوف عن الزواج وتفشي الطلاق، وتفشي الجريمة والمخدرات واليأس والغضب والعنف.
الكلام في هذا الملف طويل، ولا تكفي مقالة او مقالتين، الا ان المؤسف اننا صرنا نعتبر الواقع الذي نعيشه بمثابة مرض مزمن لا يمكن علاجه، وهذا يعني ان اعراض المرض سوف تشتد شهرا بعد شهر، ولا يعقل هنا ان يتم ترك الملعب لكل هذه الفوضى، ونزول الجماهير الى ارضه، واختلاط كل الادوار، مع بعضها بعضا، وهذا تداخل خطير يوجب رد كل شيء الى اساسه.
سقف البلد لا يحتمل كل هذا الرقص فوقه، اذ يحمل اكبر من قدرته اصلا، لكننا ننبه هنا الى حالة غريبة سائدة، حين يتبادل الكل اللكمات، على المستوى السياسي والشعبي، فيسود النفور، والشعور بالخوف والضيق من كل شيء، فيمضي اليوم وكأن الريح تحت اقدامنا، فيما هموم المواطنين باقية، وتزداد، ولا احد يتلفت اليها، بشكل جذري، من اجل التعامل معها، بعد ان وصلنا الى مرحلة يبدو فيها واضحا ان بعضنا استسلم لكل هذا الوضع، معلنا انه ليس بالإمكان احسن مما كان، تاركين لنا ان نتخيل الى اين سيأخذنا هذا الوضع الذي لا يتوقف، فنتشاغل بكل شيء، عدا اولوياتنا،، والى اين سيذهب الاردن في ظل هذه المعارك التافهة او الشرعية.
(الغد)