الطريق إلى الآخرة تمر عبر الإنترنت
سوسن الأبطح
28-06-2007 03:00 AM
بيانات عدة نشرت مؤخراً، على الانترنت تحث «أبناء أمة التوحيد والجهاد» على الاستنفار لمساندة إخوانهم من «مجاهدي فتح الإسلام» في مخيم «نهر البارد» الذين يتعرضون للقصف من قبل «جيش لبنان... جيش العمالة والخيانة». وقال أحد البيانات ان «الجنان فتحت والحور قد تزينت، فإياكم ثم إياكم أن يفوتكم هذا الأجر والمقام... فانصروا اخوانكم بكل ما تستطيعون»... وما يستطيعه هؤلاء كثير. فالدعوة ليست نظرية، إنشائية على الطريقة العلمانية الرومانسية، وهي مقرونة على المواقع الجهادية، بوصفات مسهبة، تضع بين يدي المقاتل المفترض، العدة والعتاد، وتؤمن له المساندة النفسية والعسكرية. فبمقدور «المجاهد» وهو جالس أمام جهازه أن يتعلم من خلال أشرطة فيديو خاصة: الرماية بالبندقية، صنع الحزام الناسف، صناعة المتفجرات، دوره في السموم والغازات السامة، إعداد السلاح البيولوجي وكذلك الكيميائي. وفي المواقع التي باتت بالمئات ثمة وصفات لأسلحة سميت بـ«الشعبية» بمقدورك أن تتدبر امرك بصناعتها ببعض المواد التي قد تشتريها من قرب منزلك، او من حواضر ما عندك، لو احببت.
والدعوة هنا هي بمناسبة معركة «فتح الإسلام» الدائرة مع الجيش اللبناني، لكن الساحات واسعة شاسعة، وباتت تمتد من أفغانستان إلى المغرب العربي بالحدود الدنيا، اذ قد يصبح كل شبر أرضي تحت رحمة هؤلاء المجاهدين الأشاوس الذين يبحثون عن الحور العين، عبر وسائط إلكترونية جد حداثية.
ولو تأملت قليلاً في الاستراتيجيات الجهادية، وقلبت الصفحات الانترنتية السلفية، وحذفت بعض العبارات الدينية والآيات القرآنية التي يستخدمونها لتأكيد سلفيتهم، لوجدت نفسك أمام جماعة تعرف كيف تنتقي من الحداثة أخطر ما فيها ألا وهي تقنياتها. صحيح انهم يقولون لك «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة»، لكنها مقولة تخفي غابة كثيفة من الجهد العلمي الجبار، إضافة إلى الاستراتيجيات العسكرية، التي تطور نفسها، باحثة عن هوية قتالية بمفردات خاصة، تبدأ من القناع ولا تنتهي بالحزام الناسف. وبفضل التواصل التكنولوجي المتواصل، ووجود الجماعات المتعاطفة والمؤيدة والفاعلة، والمتفاعلة باستمرار على الشبكة، تنهل المجموعة مما يسمى المكتبة الجهادية التي لا تني تكبر وتتنامى، لذلك فإن التطوير، يبدو سريعاً وبكتيرياً.
ثمة نصائح على الانترنت لمن يقاتل في المدن، وأخرى للموجودين في الأرياف، وهناك وصفات للمجاهدين في عقر دار المرتدين، وأخرى للمحاصرين في مواقع صعبة، كل الحالات مدروسة ووصفاتها جاهزة سلفاً لمواجهتها. وبصرف النظر ان كانت هذه المجموعات راضية عن سلوك «حماس» أم لا، فهي تزود أتباعها أيضاً بطريقة صنع «صواريخ القسام» ايضا.
وبهذا المعنى فإن الجماعات الإسلامية المتطرفة، التقت ام اختلفت، بمقدورها ان تشرب من نبع تخطيطي واحد هو في طور الاختبار الميداني. فقد كان حزب الله قد استفاد من تجربة الفدائيين الفلسطينيين في الجنوب اللبناني، وبنى عليها، حتى تمكن من طرد إسرائيل عام 2000. ومعركة الحزب المذهلة النتائج صيف 2006 في مواجهة الآلة الجبارة الإسرائيلية، أغنت المخيلة القاعدية، من دون أدنى شك.
بكلام آخر، فالحركات الإسلامية، أنكرت ام اعترفت، متأوربة وحداثية على طريقتها، لا بل نجازف ونقول انها أمهر في الاستفادة من التجربة الغربية، من الحركات القومية والعروبية، التي اغرقت في التنظير والاستعراض وأخفقت إخفاقا ذريعاً في التطبيق. وبينما بقي العلمانيون كاللغز اللغوي الذي يصعب فك طلاسمه للعامة، جاء السلفيون بخطاب شعبي سهل، في متناول كل البسطاء. ولا داعي لأن يفهم المتعاطف كل تعقيدات سياسة الاعتدال وقوانين الأمم المتحدة، والقانون الانتخابي الأميركي، ومدى سلطة الكونغرس أو صلاحيات الرئيس، كي يتخيل ما يمكن ان يحمله له الغد من مجهول، وكل ما عليه ان يفهمه هو امتشاق السلاح وقتال أعداء الله. وهذا اسهل كثيراً من متابعة نشرات الأخبار على مدى عشرات السنوات لتلمس ميول أولمرت أو مزاج كارتر واكتشاف ايديولوجية مستشاري بوش.
وسبحان من وحد الأمة على شبكة الانترنت فبات الشيشاني واللبناني والعراقي والفلسطيني كما الأفغاني، يأتمرون بأمير واحد أحياناً مستعيدين ايام الخلافة، ولو افتراضياً. أو ليست كل المنجزات تبدأ بأحلام صغيرة. وها هم المجاهدون يتنادون ويتقابلون لمواجهة عدوهم ويتعارفون في ساحات الوغى. شيء ما يذكرهم، ربما بذلك الزمن الإسلامي الجميل الذي قرأوا عنه في كتب التاريخ، وها هم يستعيدونه متمردين على قرار الهزيمة الذي ولدوا في ظله ولا يريدون أن يموتوا تحت رايته.
خلايا بشرية صغيرة ومتباعدة، تتواصل وتتماهي وتتآخى، وتتفق، ويتكاثر اتباعها كالفطر، يتبعون ادبيات واحدة، ويقرأون نشرات متشابهة، ويتفقون على أهداف محددة، وكأنهم لا يعترفون بالجغرافيا، لكنهم يبقون امناء على التاريخ الذي يريدون استعادته مهما كلف الثمن.
كل هذا ينمو في الظل، يكبر وكأنه على الهامش، لا اثر له سوى بمتفجرات متفرقة هنا وهناك، لكن يبدو أكثر وضوحاً من خلال ازدهار انتحاري استثنائي في العراق. هذا البلد الذي تحول ساحة اختبارية لما يمكن ان يكون عليه الحال، في اي بلد عربي آخر، يسمح الفراغ فيه بالامتلاء الجهادي. عالم متكامل، يبدو وكأنه غير صالح للحياة والاستمرار، لكنه يكبر وينتفخ بفضل موت الأمل في السلام، وشبحية النظام العربي الرسمي.
يوم الاثنين الماضي، وفي تلك اللحظات التي كان فيها أهل الاعتدال العرب، يحاولون أن يدعموا ما تبقى لمحمود عباس من سلطة في شرم الشيخ، ويستجدون ايهود اولمرت مجرد القبول بمفاوضات جدية من اجل دولة فلسطينية، كان ثمة من يرسم خططه في مكان آخر، ويصنع اسلحته ويدير معركته، واثقاً من أنه لن ينال حقه إلا بيده. وهذه فكرة شعبية قديمة، يقولها كل اولئك الذين لا تنصفهم العدالة، ويضطرون للثأر لأحبتهم بسكاكين المطبخ والخناجر.
ليس مهماً مثلاً ان يكون تنظيم «فتح الإسلام» صنيعة المخابرات السورية أو مفبركاً من قبل الـ«سي.آي.إيه». وليس مهماً أيضاً ان يكون جيش لبنان مستهدفاً إسرائيلياً ومتروكاً بلا سلاح دولياً، لأنه يرفض الارتباط بمعاهدة سلام مع عدو الأمة، فراية «لا إله إلا الله» التي التقط أمامها شاكر العبسي، مؤسس فتح الإسلام الصور تكرارا، والشعارات الإسلامية التي رفعها، كفيلة ببعث الغيرة في قلوب آلاف بل ربما مئات آلاف المناصرين في لبنان والعالم الإسلامي، دون التساؤل عن أحقية أو جدوى هذه المعركة الغبية التي افتعلها تنظيم أرعن، لا يميز بين إخوة او اعداء. ومحدودية التحليل هذه لن يقع ضحيتها لبنان وحده او العراق او فلسطين. فالانترنت يفعل فعلته، والغاضبون يتكاثرون، رغم ان عشرات منهم يقتلون كل يوم. مفارقة يعرفها الأميركيون قبل غيرهم، ومع ذلك هم مستمرون في غيهم، والحرب ما تزال في أولها، والآتي اعظم.
sawsan_abtah@hotmail.com