في بريطانيا تجربة تستحق التأمل ، فهناك حكومة جديدة وسياسات مالية جديدة أكثر تحفظاً ، وقد قدم وزير المالية الجديد موازنة عامة تشتمل على تخفيضات قاسية في البرامج الاجتماعية (شبكة الأمان) وضرائب جديدة أو معدلات أعلى منها.
كان المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات التقشفية للتأثير سلباً على شعبية حكومة ائتلاف المحافظين والأحـرار الديمقراطيين ، وإن تخفض شعبيتها في استطلاعات الرأي العام ، لكن العكس هو الذي حدث ، فقد قامت الحكومة بما تعتقـد أن واجبها يفرض عليها القيام به ، ولو أدى إلى تخفيض شعبيتها، لكن الرأي العام رأى فيها مصداقية تستحق الإعجاب والدعم.
الاتجاه العام في عالم اليوم هو التحفظ المالي ومحاربة العجز في الموازنة العامة والحد من المديونية ، لكن الموقف الشعبي مختلف تماماً ، فهناك شعوب ناضجة سياسياً تتفهم هذا الاتجاه ، وتحترم الحكومة التي تلتزم به ، وهناك شعوب أخرى غير ناضجة سياسياً وتريد المزيد من الحقوق لا الواجبات ، وتهمها اللحظة الراهنة باعتبار أن المستقبل يعتني بنفسه.
الشعبية مطلب حقيقي مشروع ومفهوم لكل حكومة ، خاصة في البلدان الديمقراطية ، حيث يستطيع الرأي العام تغيير الحكومات وسحب شرعيتها بالانفضاض من حولها والالتفاف حول المعارضة.
لكن وصول أية حكومة إلى الشعبية له طريقان: الأول مباشر يعني النفاق للجمهور بإعطاء نتائج سريعة ولو كانت نتائجها البعيدة سيئة ، والثاني غير مباشر وهو عمل ما يخدم المصلحة العامة الحقيقية ، مما يبني مصداقية هي الطريقة المثلى للحصول على الشعبية.
بهذا المعنى يحاول مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية أن يقيس شعبية الحكومات المتعاقبة بشكل دوري ، وعلى صعيدين: الأول هو العينة الوطنية والثاني هو عينة النخبة وقادة الرأي.
من الطبيعي أن تكون النتائج في هذه الحالة مختلفة ، فالعينة الوطنية تقيس الشعبية ، وعينة النخبة وقادة الرأي تقيس المصداقية. وهناك حكومات تهتم بما يقوله رجل الشارع فتحاول أن تتملقه ، وحكومات أخرى تهتم بما يقوله المختصون فتحاول أن تقوم بالواجب.
إلى حد ما فإن الشعبية تأتي بالرشوة ، والمصداقية تأتي بالإنجاز. المصداقية تأتي بالشعبية ولكن العكس ليس صحيحاً.