تشاركية القطاعين العام والخاص .. حلول تطويرية
د. أميرة يوسف ظاهر
02-01-2022 09:10 PM
شعرة رفيعة تفصل ما بين الخصخصة المبطنة والتشاركية ما بين القطاعين العام والخاص، لا تشبه أبدا شعرة معاوية، وإنما هي شعرة الفساد التي تنبت في المجتمعات ثم تنتشر فيها كانتشار الشيب في الرأس... فبينما يوجه جلالة الملك عبد الله المعزز في كتاب التكليف الملكي حكومة د. بشر الخصاونة 10/7/2020 إلى النهوض بالمجتمع والسعي الحثيث لتطويره طارحا مفاتيح الحلول للمشكلات الماثلة في الوطن، ومنها: "يجب تذليل العقبات أمام الاستثمار الأردني والأجنبي، والمضي قدما في جذب الاستثمارات في المشاريع الاستراتيجية الكبرى، وإنجاز مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لتحقيق التنمية"، قد يحاول رؤوس الفساد وأصحاب المصالح اغتيال الفرص المتاحة بشرعيتها فينقلون مشاريع الشراكة المطروحة بين القطاعين العام والخاص إلى دائرة الخصخصة المبطنة محافظين على مصالحهم بالإمساك بالطرف المغاير لشعرة التعاون جاذبينها إلى جهتهم، إن لم تتم عملية ضبط طرق طرح العطاءات ورسوها، ومتابعة التنفيذ وغيره من إجراءات ضابطة. وهذا في جانب المستثمرين المستفيدين من جهة القطاع الخاص وأعوانه.
أما من الطرف الآخر المتمثل في القطاع العام فقد شرعت المملكة بتنفيذ برنامج وطني طموح وفعال لبناء شراكة بين القطاعين العام والخاص ذات أهداف واضحة، وذلك لدفع عجلة النمو الاقتصادي والمساهمة في إيجاد فرص العمل وتنفيذ مشروعات البنية التحتية والخدمات العامة، من خلال شراكة واضحة المعالم في قطاعات البنية التحتية والمرافق والخدمات.
فالشراكة بين القطاعين العام والخاص هي علاقة بين جهة حكومية وإحدى شركات القطاع الخاص يمكن الاستفادة منها في تمويل مشاريع طويلة الأجل وبنائها وتشغيلها لتحسين استخدام الأموال العامة وتعزيز جودة الخدمات، ما يمكن الحكومة من تخفيض كلف الإنفاق التي تتكبدها موازنة الدولة والتي تعاني عجزا مزمنا في قدرتها على الإنفاق بسخاء على القطاعات كافة بشكل عام، وهنا أنوه إلى ضرورة وضع بند يحيل إلى خزينة الدولة نسبة مدروسة من الأرباح طيلة فترة الاستثمار، تتيح للمستفيدين قدرا من الفائدة المشتركة، شبيهة بنظام التأجير لفترة زمنية محددة مع ترك المنشأة للدولة بحالة جيدة بعد انقضاء فترة العقد.
وهذا بدوره يتحول بالقطاع الحكومي من التركيز على تشغيل البنية الأساسية والخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات والاستراتيجيات لقطاع البنية الأساسية ومراقبة مقدّمي الخدمات بهدف الارتقاء بها، والتوجه إلى الاستفادة من الكفاءات الإدارية والتقنية والقدرات التمويلية لدى القطاع الخاص، وإشراكه في تحمل المخاطر.
وتعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص أداة لتلبية الاحتياجات الخاصة بخدمات البنية التحتية، بشرط هندرة هذه الشراكات في بيئة تنظيمية متوازنة ضامنة تحقق المزيد من الكفاءة والاستدامة، إذ أن الاستثمار في البنية التحتية يزيد من النمو الاقتصادي، ويوفر فرصا استثمارية جديدة، ويسهل الاستثمار في رأس المال البشري. وتزداد الحاجة لهذا النوع من الشراكات لإحداث زيادة كبيرة في استثمارات البنية التحتية في الاقتصادات النامية، للحد من الفقر والبطالة والعديد من آفاتهما التي تضر بالاقتصاد والمجتمع ككل، فهي تحقيق الازدهار المشترك على نحو مستدام في حال كف يد الفساد عن هذه المشاريع، مما يسهم في توفر الخدمات العامة مثل المياه والصرف الصحي والطاقة والنقل والاتصالات والرعاية الصحية والتعليم وغيرها. كما يمكن أيضاً لهذه الشراكات أن تسمح بإدارة أفضل للأزمات والمخاطر بين الجهات العامة والخاصة.
وفي هذا المجال من الشراكة بين القطاعين العام والخاص تنطلق وزارة التربية والتعليم بمشروعها "تطوير (15) بناء مدرسة لوزارة التربية والتعليم"، في حين تعمل بجهود مضاعفة، مستجمعة كوادرها وكافة طاقاتها، وموجهة جهودها كافة للموازنة ما بين السعي لتطوير التعليم والارتقاء به لمستويات أفضل تحاكي واقع التعليم المعاصر، وبين تجاوز التحديات الماثلة في ظل ما فرضته وأحدثته ظروف جائحة كورونا اللعينة، وما استجرته من عواقبها على المجتمع والوضع الاقتصادي العالمي والمحلي الملم، والذي تسبب بتهجير أعداد كبيرة إلى مدارس القطاع العام، مما يفوق طاقاتها الاستيعابية ويتجاوز إمكانيات البنى التحتية التي تكاد أن توصف بالمتواضعة في الواقع المتوسط العام لمعظم مدارس المملكة.
وإن ما تحققه مثل هذه الشراكات إن عقدت ضمن متابعة وإشراف نزيه، وتقييم فعال لواقع التعليم، فإنه يعود بمجموعة من النتاجات المتمثلة في: توفير مردود مالي جيد، ورفع نوعية معايير القيادات والإدارات التربوية المدرسية، والدفع بعجلة الإبداع والابتكار، وتحسين جودة الخدمات التعليمية المقدمة، وزيادة التنوع في توفير فروع التعليم، وزيادة التمويل المتاح للقطاع التعليمي، وتطوير البنى التحتية وزيادة مساحتها، وزيادة كفاءة استخدام الموارد المالية، وتحسين أدوار المشرفين والمسؤولين.
ضبط مثل هذه المشروعات بعيدا عن يد الخصخصة التي تديرها أذرع الفساد سيعود على الدولة والمجتمع بمردودات وفيرة، ويسهم بتجاوز كثيرا من التحديات الماثلة. التجربة ناجعة وأثبتت فعاليتها في تحقيق التطوير والنماء في كثير من المجتمعات على المستوى العالمي.
رعا الله الوطن وقيادته وسدد خطى الحكومة.