وزارة التربية وخططها في الشراكة مع القطاع الخاص
فيصل تايه
02-01-2022 02:05 AM
بالتنويه إلى ما كانت قد أعلنت عنه وزارة التربية والتعليم فيما يتعلق بطرح العطاءات التنافسية الدولية لمشروع إنشاء ١٥ مدرسة حكومية بحسب كودات المباني المدرسية الجديدة ، بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ، اذ دعت الوزارة الشركات أو الائتلافات ذات الخبرة في تطوير إدارة المباني المدرسية والمشاريع العقارية المماثلة إلى تقديم طلبات التأهيل المسبق ، وذلك وفقاً لقانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسنة ٢٠٢٠ وحسب الممارسات الدولية ، فمشروع المشاركة هذا يقوم على ان يتجه المستثمر إلى استثمار أمواله فى بناء مشروع مدرسة على أرض ملك للدولة بناءً على اتفاق يتم بمقتضاه حصول الدولة على حق الانتفاع باستخدام المشروع فى تقديم الخدمة التعليمية ، وذلك لمدة معينة من الزمن ، يتم الاتفاق عليها وعلى المصروفات بين الطرفين خلال فترة حق الانتفاع ، وهذا شبيه تماماً بنظام التأجير التمويلي .
ان هذا المشروع يعتبر أحد أهم المشاريع المدرجة في برنامج أولويات عمل الحكومة الاقتصادي "٢٠٢١ - ٢٠٢٣" ، ويعد أول مشروع يتم تنفذه ضمن قانون مشروعات الشراكة لسنة ٢٠٢٠ ، اذ جاء ليترجم الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، في مرحلتها الأولى التي تبدأ بإنشاء "١٥" مدرسة حكومية تخدم مراحل : رياض الأطفال ، و التعليم الأساسي والتعليم الثانوي وستشمل هذه المرحلة جغرافيا محافظات : العاصمة والزرقاء ومأدبا .
كما وجاءت هذه الشراكة المعززة لبرهنة أهمية مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي ستخدم كل الاطراف في تحقيق أهدافها المنشودة ، كما إن إبرام الشراكات مع كافة الجهات ذات التوجهات المشتركة ستشكل نقلة نوعية في عمل تلك المؤسسات الاستثمارية، وفي زيادة إنتاجها وفعالية وكفاءة أداءها، خاصة فيما يتعلق بتوفير المباني المدرسية في ظل الزيادات الهائلة لإعداد الطلبة التي تشهدها المدارس الحكومية وقد باتت تفوق الطاقة الاستيعابية، وتضاعف من اكتظاظ الغرف الصفية جراء انتقال أعداد كبيرة من الطلبة من المدارس الخاصة وعودة الكثير من المغتربين إلى الوطن، إضافة إلى موجات اللجوء التي شهدتها المملكة خلال السنوات العشر الماضية، وجاء هذا المشروع بهدف تلبية الطلب المتزايد على المرافق التعليمية، الأمر الذي سينعكس بالضرورة على تحسن ظروف المدارس من خلال تحسين المرافق والتجهيزات المدرسية والمختبرات العلمية والمعلوماتية والصفوف، وتجهيز الساحات والملاعب وغيرها من المرافق المدرسية لتكوين بيئة تعلمية داعمة وملاءمة، ما سيساعد في تخفيض كثافة الصفوف الدراسية، ودعم وتهيئة البنية التحتية والبيئة المدرسية الآمنة والمحفزة .
إننا نتفهم تماماً أن الحكومة ماضية في تنفيذ التوجيهات الملكية بتعميق الشراكة مع القطاع الخاص لإنشاء المشروعات الخدمية والتنموية بشتى المجالات، إذ أن التعليم يحتل أولوية متقدمة في فكر وعقل الدولة الأردنية، باعتباره ركيزة أساسية في استراتيجية بناء الإنسان، وتعزيز وعيه الوطني، واستثمار قدراته لإرساء دعائم التنمية الشاملة والمستدامة، ما يحتم إيجاد تعاون وثيق بين وزارة التربية والتعليم وبين القطاعات الخاصة لتوفير الأرضية التي يقف عليها المعلم والطالب؛ بل وكافة المتداخلين في العملية التعليمية، ما سيسهم في رفع كفاءة العملية التعليمية وتقديم مستوى متميز من الخدمات، ويسهم أيضاً في حل مشكلة الاكتظاظ الطلابي في الغرف الصفية بما يفوق الطاقات الاستيعابية للمدارس كما سبق وأشرت.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه المشروعات الفعالة تبشر بالخير، فسياسية الانفتاح وعقد الشراكات الحقيقية مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة تمثل شراكة مجتمعية وتكافل قويم بين مؤسسات الدولة التي يكمل بعضها بعضا ، وتؤكد أن وزارة التربية والتعليم ماضية في خططها التطويرية المعتمدة على الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، فقد بدأنا نيقن أن وزارة التربية والتعليم بدأت تفكر خارج الصندوق وبعقيلة استشراف المستقبل التعليمي، من خلال حرصها المتزايد على تعظيم مشاركة القطاع الخاص في المشروعات التنموية بما يوائم وتوجهات الدولة، فيما يؤسس لبنية أساسية ومرافق وخدمات عامة تصب بدورها في صالح العملية التعليمية وتطوير عناصرها المختلفة، ويسهم ذلك في تحسين مستوى الخدمات المقدمة إضافة للتشجيع على جذب المزيد من الاستثمارات، وتوفير العديد من فرص العمل الجديدة؛ مما ينعكس إيجابيًا على أداء الاقتصاد الوطني، فمن خلال ذلك استوعبت الوزارة الأهداف المستقبلية الطموحة، وبدأت بهذا البرنامج التنفيذي للشراكة مع القطاع الخاص لتوفير بنية تحتية عالية الجودة في المدارس في بيئة جذابة، وفقاً لأحدث التصاميم التي توفر مساحات كافية لممارسة مختلف الأنشطة والفعاليات. فعندما تذهب وزارة التربية والتعليم بخطتها الاستراتيجية ٢٠١٨ – ٢٠٢٢ للتخطيط لبناء ٦٠ مدرسة سنويا، في خطوة ريادية للاستغناء عن (٨٠٨) من المدارس التي تعمل بنظام الفترتين، و(٧٧٣) مدرسة من مدارس البناء المستأجر إضافة إلى تهيئة المدارس لاستقبال الأعداد الجديدة المتزايدة من الطلبة نتيجة النمو الطبيعي للسكان.
وقد باتت مشاركة القطاع الخاص وتشجيعه على تنفيذ وتشغيل تلك المشاريع حاجة ملحة، فالبدء بإنشاء "١٥" مدرسة حكومية سيضمن نقل عبء النفقات من الحكومة إلى القطاع الخاص، إضافة إلى دعم الجهات التي تسهم في تنفيذ المشروعات التي يتم تنفيذها بنظام المشاركة مع القطاع الخاص، فالمشروعات المطروحة والتي أعلنت عنها الوزارة ستُعد باكورة التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في مجال إنشاء المدارس، إذ ستقوم مؤسسات القطاع الخاص الفائزة بتصميم وتمويل وإنشاء وتجهيز وتشغيل وصيانة وتقديم الخدمة اللوجستية، وإدامة الصيانة وتوفير الحراسة وتقديم خدمة النظافة وتوفير الأثاث تحت رقابة وإشراف وزارة التربية والتعليم، وبعد انتهاء مدة التعاقد ستؤول ملكية هذه المدارس بحالة تشغيلية جيدة جدا بما تتضمنه من منشآت ومبان وتجهيزات لوزارة التربية والتعليم .
دعوني أعود موضحا لما تم تداوله من تفسيرات مقلقة في الأوساط وما ذهب البعض إلى تحليله منفرداً فيما يتعلق بالموضوع، ناقلين المفهوم من الشراكة الخدماتية إلى خصخصة التعليم مبتعدين عن جوهر هذه الشراكة الناجعة التي ستمثل حلا مثاليا لبعض مشاكل الميدان التعليمي؛ إذ أن إتاحة الفرصة للقطاع الخاص الاستثماري للمساهمة الفاعلة مع الدولة في جهودها ستتيح لأبنائنا الطلبة فرص التعليم الأفضل، وستقدم خدمة بأفضل مستوى ممكن من الجودة وسنستطيع الاستمرار بأعداد مقبولة من الطلبة داخل الغرف الصفية. ومن هنا سيحصل الطالب على حقه التام الذي كفله له الدستور والقانون في التعليم ضمن معايير ومؤشرات مطابقة، إذ يمكن الانتقال بالتعليم في الأردن إلى أنماط جديدة من التعلم من الصعب الانتقال إليها في ظل الكثافات العددية الحالية.
وقد خلق موضوع شراكة القطاع الخاص لدعم العملية التعليمية الذي تباركه الدولة وتوجه له الرؤى الملكية السامية التي تدعم عملية تنمية القطاع التعليمي برمتها، وتجعله من أولويات التطوير والنمو في الأردن حالة من الجدل، سببها عدم فهم الموضوع بالشكل الصحيح، فهذا المشروع ليس له علاقة بإدارة المدارس ولا بالمعلمين أو الطلبة أو المناهج وغيرها، وإنما هو ضمن مشاريع الأبنية المدرسية الجديدة التي تسهم في معالجة التحديات الكبيرة التي تواجه الوزارة والتي نوهت إليها أعلاه في مجال البيئة المدرسية، ما يفرض الحاجة الفعلية للشراكة مع القطاع الخاص لتجاوز تلك التحديات الماثلة والتي قد تعيق مسيرة التعليم إن استمرت في أوقات لاحقة، وهذا المشروع يعد خطوة مهمة في تجاوز تلك التحديات بالإضافة لمساهمته في تحسين البيئة المدرسية وجودتها.
إننا مع خوض هذه التجربة الرائدة والتي سبقتنا بها العديد من الدول والتي برزت فيها مسيرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص منذ زمن، فمن خلالها تم تجاوز الكثير من التحديات التي منحت فرصاً كبيرة لقطاع التعليم، وما زالت مسيرة الشراكة تلك بين القطاعين العام والخاص تدعم وتحث خطى التقدم، ومحاكاة التجارب التعليمية الناجعة التي حققت رفعة لدولها وأثبتت جدارتها على المستويات العالمية سبيل لابد منه لتحقيق النمو والتطور في قطاع التعليم، وذلك من خلال تحليل الدروس المستفادة، وتبني المعرفة المكتسبة، والتحسين المستمر لتنفيذ البرامج المتعلقة بذلك، فقد كان لي فرصة الاطلاع شخصياً على مثل هذه التجربة في بعض دول أوروبا كبريطانيا والنمسا وألمانيا، إضافة لدول الخليج مثل السعودية وأخير في مصر التي طبقت هذه التجربة ليصبح عدد المدارس ضمن هذا النظام ما يقارب ألف مدرسة .
وأخيرا فإنني أقول أن مخاوف البعض من إنشاء هذه المدارس غير مبررة، فالدولة حين قررت مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الحكومة، أصدرت قانون ينظم العلاقة وهو قانون يعنى بتنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية، والخدمات والمرافق العامة، ومن خلال هذا القانون ولائحته التنفيذية تقوم حاليا بالعديد من المشروعات، وهذا التوجه هو توجه اقتصادي ليس في الأردن وحسب بل هو توجه عالمي، وبمشاركة الحكومات القطاع الخاص لإنشاء مشروعات ذات منفعة عامة، خاصة بعد التحديات التي واجهت الحكومات خلال جائحة كورونا فلم تعد تلك الحكومات لديها المقدرة على إنشاء المشروعات ومتابعتها، لذلك فإن الحكومة تقوم بتنظيم العلاقة بين القطاع الخاص والمواطن على أساس مقونن وواضح .
والله ولي التوفيق