استراتيجية الإخوان وغزوة البرلمان
أحمد سلامة
31-12-2021 02:14 PM
لم يخطر على بالي أن يكون آخر مقال لي في آخر يوم من هذه السنة الكَأْداء مظللا بالحزن والعتب والغضب.
وأرجو من عقلاء وحكماء الحركة الإسلامية في الأردن، اعتبار ما سأقوله لهم هذا اليوم نصيحة من مخلص فيها، عملا بشريعة الله فينا "الدين النصيحة".
ومن نوافل الكلام أن أردد بأنني لست معاديا ولا كارها ولست ضد الإخوان المسلمين. لكنني أدين سلوكهم الاستقوائي التصعيدي على البلد وعلى الدولة وعلينا كأفراد مواطنين لسنا منهم.
لقد دأب (الإخوان المسلمون) على صناعة ما سمي في الفكر الإسلامي بـ (المراجعات الكبرى) وإعادة قراءة سلوكهم، الذي يتورطون فيه بسوء تقديرهم لحجم قوتهم في المجتمعات العربية الإسلامية.
وإن الحركة الإسلامية كلها تحتاج إلى وقفة ومراجعة قاسية بعد أن غنّى أتباعها لبطل غزوة البرلمان "لينا وحقك علينا"، فهذا استقواء علينا. وعلى كل حر وحرة أردني وأردنية أن يُعلي الصوت، رافضا هذا الاستقواء على البلد.
والقصة لم تبدأ بالاستقواء على عبدالكريم الدغمي بقصد واضح في معركة متقنة التخطيط وكأنها مباراة كرة سلة. إن هذا التطويق لقيادة الدغمي، ليس المقصود به شخصه ولا رئاسته للبرلمان وحسب، بل يتعدى ذلك إلى تطويق مقصود بعناية لما يمثله عبد الكريم الدغمي من (طهارة الدموع الوطنية على فلسطين في كل موقف له). وكان القصد من القسوة عليه، هو البدء بخلق الشرخ الإقليمي، ليقال: إذا كان عبدالكريم الدغمي ناله هذا منهم، فتعالوا إذا ننكفئ، ومالنا ومال فلسطين؟!
أوليس هذا هو ذات المنهج الذي اتبع في سلخ جلدة الرأس الفلسطينية بسكين حماس الحادة، وتقسيم هذا الشعب المسكين تحت الاحتلال إلى سلطتي غزة ورام الله.
ليعذرني عقلاء الحركة الإسلامية وحكماؤها، فإن هذا التصعيد المقلق يخفي نوايا غير قابلة للتأويل، وغزوة البرلمان كانت النتيجة وليست المقدمة. فإما الاعتدال وإما لا سمح الله تأخذون البلد إلى نزال غير محمود العواقب.
وعلى أول هذا السطر، أحاول أن أعيد تركيب مشهد (الحركة الإسلامية) بمجموعة من الملاحظات:
ماذا تريد الحركة الاسلامية من الأردن وقيادته أكثر من هذا الدلال؟! لا تقولوا لنا "وقفنا مع النظام"، بل إن النظام هو من وقف معكم حين كانت ألف مرة رؤوسكم مطلوبة، وآخرها تجريمكم واعتباركم (حزب إرهابي). ورفض الملك تحمل تبعة ذلك. ولكن تعالوا نراجع معا كل الذي جرى تمهيدا لغزوة البرلمان!
أولا:
جنازة المرحوم إبراهيم غوشة. كانت الجنازة عنوان تبجيل واحترام من النظام بالسماح لـ (أبو العبد) إسماعيل هنية وسلفه (أبو الوليد) خالد مشعل حضور الجنازة. وتحولت الجنازة إلى بيعة لحماس وقادتها، مع العلم أن الشرع الإسلامي يلزم الحركة الالتزام بالبيعة للحاكم الذي تقيم على أرضه.
كان الهتاف مليئا بغضب في الصدور وكان إحراجا لتحالف الحكومة مع سلطة رام الله، وكان الضجيج في الهتاف قد نزع عن الجنازة وقار الموت النبيل لرجل جاهد في سبيل الله وفلسطين، وبدل أن يُكتفى بذكر مناقبه استُعملت الجنازة لموجة من هتاف قاصف عاصف كله سياسة. وكان ذلك أول التمادي غير المحمود، وردا على جميل الحكومة وأجهزتها التي سمحت بعودة قادة وأبطال الانفصال الحماسي عن السلطة الوطنية، وتجاوزت من يكظم غيظه في رام الله، وجاء الجواب تحديا من غير حاجة.
ثانيا:
إعادة تحريك (معركة المعلمين) في ظل جائحة تفتك بكل مقدرات البلد، وبدا ذلك أنانية حزبية وفئوية تعلو على المصلحة الوطنية.
ثالثا:
مسيرات يوم الجمعة، هذا الشوق وهذا الحنين إلى المسيرات التي تطرح عناوين لا لزوم لها، وتبدو أنها إصرار من أصحابها على تحدي صبر الدولة ومؤسساتها. فمنذ شهر ١١ سنة ٢٠١٢ سنوات الجفاف واللارحمة وحتى آخر شعار تم تداوله، يتجدد خطاب يشي بأن دعاة (الإيمان بالدولة.. ومعايشة الآخرين.. وقبول الغرم والغنم..) كل ذلك دعاوى أساسها ذر الرماد في العيون، وخلفيتها الاستقواء على الدولة والمجتمع من تنظيم يروق له ما يكرره البعض بأنهم الوحيدون أصحاب القوة المنظمة في الشارع.
رابعا:
هذا الافتئات على اللجنة الملكية وتكسير مجاديفها وتعطيل مخرجاتها زورا وبهتانا، دون أن يرمش للحركة جفن، رغم أنهم من بين الأكثر تمثيلا والأعلى صوتا والأكثر صخبا في اللجنة، وقد خرج ممثلهم على الشاشة وأقر برضاه (ورضاهم) عن المخرجات!
فلماذا كل هذا التمادي، إذا؟!
هو لسبب واحد، أن يقال للأمريكان والأوروبيين: إننا وحدنا من يستطيع إنفاذ الإصلاح المطلوب. بمعنى أن الحركة، تطرح نفسها، ومن جديد، بديلا للنظام وليست جزءا منه. ولقد اقترفت هذا الخطأ في أزمة الغاز المشهورة إبان الربيع العربي مع الشقيقة الكبرى حين (تأَخْوَن نظامها). يومها قال دعاة الحركة عندنا: نحن من يحل المشكلة (بس ترجّونا وقدموا طلب التماس وبنحلها). وها هو مشهد المغالبة يعود من جديد، لكن بصورة أخرى يريدون فيها إقناع السفارات أنهم وحدهم من يستحق التحالف.
هذا ليس عملا جبهويا، ولا روحا وطنية أبدا، ولن تمر. ولقد استقوى على هذا البلد من قبل قوى وتنظيمات وأنظمة، وأنتم وحدكم تعرفون النتيجة. ولا يجوز، وغير المسموح لأحد أن يجرب الاستقواء على يد مدَّت له الحب وعلى حكم اشتمل الجميع برعايته.
نحن لسنا نظاما هشا، ومن يريد تقسيم المجتمع إلى شرقي وغربي، ومؤمن وكافر، وعشائري يتداخل مع التنظيم، فإن الله أقوى منّا جميعا. والوطن أمنع وأعصى مما تتخيلون.
والتحالف مع الغرب جربتموه مع أوباما، ورأيتم ما هي النتيجة في مصر وفي تونس، وفي لبييا، وقبلها (عشرية للموت) في الجزائر، والنيل من أقدس قضية للعرب (فلسطين).
إن من يرفض قبول المياه من اليهود، علينا أن نذكره أنه يقبل بالمازوت من اليهود في غزة. لا يجوز أن يكال بعدة موازين في بلد وفي مصلحة بلد آخر. والدق والنق لا يفيد أحدا.
يا عقلاء الحركة الإسلامية: إن تيارا متشددا مغلقا يمسك في تلابيبكم ويضيّق علينا الخناق بغية الوصول إلى طريق مسدود، وليس ذلك من مصلحتكم أولا.
وأقول لكم (ان الله ليزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن). يكفي هكذا اختبارات، فلا البلد بقادر على الاحتمال. والتمادي أبشع الأسلحة لمن يحسب حساباته خطأً. لا تخطئوا الحساب، وعودوا إلى قيادتكم الحكيمة الراشدة، وابحثوا عن القواسم المشتركة. فالمسألة ليست تسجيل نقاط في نقابة أو برلمان، إن القضية قضية وطن. فلا تخذلوا أنفسكم ووطنكم في القفز إلى مجهول.
وبصراحة، أنتم قاربتم اقتراف الخطأ غير المغفور. يكفي غزوات ومعارك مع طواحين الهواء.
أنتم لستم بديلا للدولة، والدولة هي الأم الحاضنة للجميع. فكفوا عن المناكفة، فلقد تضرر الوطن كله. مهرجان الاستقواء في غزوة البرلمان، واستقبال الاستعراض في العقبة تجاوز المقبول.
كمواطنين منا من يحبكم، ونحترمكم. لكن، نحب الوطن أكثر منكم. فلا تختبروا صبرنا أكثر من هذا.