لا يزال مصطلح العلمانية لدى أغلب الشعوب العربية تأبوه, أو زاوية غير مستحبّة الذكر , فهل لنا أن نناقشها كأساسٍ لنهج حياتي ؟
العِلمانية في تعريفها البسيط البعيد عن الاكاديمية هي فصل الدين عن الدولة , ماذا يحدث إن فصلنا الدولة عن الدين ؟
الجواب ببساطة , لا شيء , سوى بعض المشاكل لمن يتاجرون في الدين , من كشفٍ للمستور و فضٍّ للحقائق المزيّفة و التجييش العاطفي القائم على المتاجرة بالايمان و توزيع صكوك الغفران ....
في الحقيقة و بعيداً عن كيْل الاتهامات و ربط المعنى البسيط للعلمانية بمصطلحات أخرى كالألحاد و الماسونية , العلمانية تُفيد الدين بشكل كبير , كيف ؟
لأنّها تقوم بتعرية من يُتاجرون بالدين بحيث لا يصبح الدين أداة و وسيلة يتسلّقون عليها لتحقيق غاياتهم , فالمواطن في الدولة التي لا تطبّق العلمانية كنهجٍ للحياة ما إن يطلق لحيته و يمسك مسبحتهُ حتى يبدأ برسم صورة عاطفية أكثر منها عقلانية لدى الشعب البسيط و تخيّلوا خجم الفساد الذي سيحصل و الذي يعتاش على هذه الصورة , بينما في الدول العلمانية سوف يكون هذا خياراً يُحترم لا أكثر , ففي الدولة العلمانية أنت لست بحاجة لكشف علاقتك بالدين و إن تمعّنا الدراسة و التحليل في جوهر الاديان سنراها قائمة بشكل كبير على علاقة الفرد الروحانية بخالقه بحيث إن أخطأ يحاسب لوحده , و إن صلّى يحاسب لوحده , و كثيراً ما تنهى الأديان على الاستعراض بالدين و المتاجرة به , فالرياء مذموم في جميع الاديان ...
إذن تطبيق العلمانية في مفهومها البسيط البعيد عن أيّ تعقيدات أو تطرّفات فكرية و سلوكية هي أحدى الحلول القادرة على انتشال أمّتنا العربية من التراجع الحاصل , فالمدّ الفكري المتحجّر الرامي لدفع أي منظومة للتطور نحو الهاوية بدأ يغزو العقول بشكل واضح , و نشهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي موجات تكفير و ذم لأيّ اختلاف حاصل غير قادرين على تقبّل التنوّع البسيط .
تكمن الطامّة الكبرى في قضية الدين و العلمانية بجهلنا لهذا المصطلح و نوعية هذه العلاقة , فالبعض يربطه بالإلحاد و البعض يذهب نحو الماسونية فأيّ جهل هذا ؟.
فمثلا إن طبّقنا العلمانية في وطننا العربي , ماذا سيحدث فعلياً على أرض الواقع ؟.
أسنُغلق دور العبادة ؟ بالتأكيد لا , أسنُغلق المدارس ؟ لا , أسننشر الفساد الاخلاقي و الانحلال ؟ بالتأكيد لا فمن دون العلمانية يوجد فساد اخلاقي و انحلال على أرض الواقع , أسنغلق المحاكم الشرعية ؟ لا ففي الواقع القانون يستمّد تشريعاته من ثنائي الدين و المنطق , استلغي العلمانية النسيج الاجتماعي أو القبلي للشعوب العربية ؟ لا , فالعلمانية نهج شمولي عام و ليس خاص على الافراد , و من دون العلمانية الكثير من الشعوب العربية و التجمعات المدنية أصبحت أقل تشعّباً و تتجه شيئاً فشيئاً نحو الاستقلال داخل عائلة صغيرة مبتعدين عن نهج العائلة الممتدة , استوقف العلمانية الآذان و أصوات أجراس الكنائس ؟ لا ,فبالنقاش و الحوار نستطيع الوصول كما أسلفت إلى صيغة علمانية ننتقي منها ما يناسب طموحاتنا و قدرتنا على التكيّف , هل ستُجهِض العلمانية المساعي لتحقيق العدالة في القضية الفلسطينية ؟ بالتأكيد لا , إن لم تساعد أصلاً في تسريع حلّ الأزمة الفلسطينية من الأساس ...
ماذا سنجني من تطبيق الصيغة التفاهمية للعلمانية البسيطة القريبة من فكرنا و ثقافتنا العربية ؟
على المستوى العام سنواجه الارهاب الذي يتغذى على الفكر المسموم و التجييش العاطفي المتستّر بالدين و الذي يستهدف الانسان العربي البسيط , سوف تكون الشفافية العنوان الرئيسي للدول بحيث تتغيّر الصورة العامة لها , سوف ننهض بالتعليم و ننقله من مستوى التعليم البسيط السطحي إلى مستوى آخر قائم على التجريب و مخاطبة العقل ناسفين عقوداً من حشو الادمغة و النتيجة ها نحن نجنيها في واقعنا العربي المتهالك , سوف ننفتح تجارياً و اقتصادياً بشكل كبير, سوف تصبح الديموقراطية الحقيقية هي السائدة لا الديموقراطية الشكلية أو الصورية , سوف تصبح لغة الحوار و المنطق هي اللغة القائمة و ليس لغة الهجوم و التكفير , سوف يصبح الدين ركناً نقيا ساطعاً مقدّراً لا مُستغلّاً و ستختفي الجماعات الرامية لتكوين حروب صليبية و هلالية جديدة بحيث ستجفّف منابع تغذيتهم و ستعلم الشعوب حقيقة نواياهم .
العلمانية أحدى طرق انقاذ عالمنا العربيّ , و بالنقاش و الحوار نستطيع فقط الارتقاء بأمّتنا العربية ...