الأردن وكورونا .. وحد شعَور وسلوك الناس
د. صبري ربيحات
29-12-2021 11:47 PM
اليوم تشرفت بمشاركة جمعية الاكاديمين الاردنيين لمؤتمرهم القصير الذي خصص لبحث الاثار التي احدثتها الجائحة وكيفية تصدي الاردن لها.. وقد اقيم المؤتمر على مدرجات جامعة عمان العربية برعاية دولة الاستاذ عبدالرؤوف الروابدة ومشاركة وحضور العشرات من اهل الفكر والقلم وممن شغلوا مواقع سياسية وادارية ومهنية مكنتهم من التعرف على السياسات والبرامج والخطط والموازنات والتجاذبات والضغوط والتسهيلات التي قد تحد من فعالية الاجراءات او تحول دون اتخاذها كذلك العوامل التي تسهل وتسعف المعنين في اتخاذ ما يلزم من اجراءات ضرورية وحاسمة لمواجهة الظروف والاخطار التي تهدد المجتمع وسلامة اعضائه.
عند الواحدة ظهرا كان دوري في الحديث عن الاثار الاجتماعية لكورونا الجائحة على الحياة الاجتماعية او بتعبير ادق عن الاثار الاجتماعية للجائحة.. واود ان اعرض ملخصا لما اشتملت عليه المداخلة التي قدمت في اقل من عشرين دقيقة..
"بداية اود ان اشكر الاخوة والاخوات القائمين على تنظيم المؤتمر والهيئات والمؤسسات الداعمة له واعبر عن شكري على دعوتي للمشاركة في اعماله..... اما بخصوص الاثار التي خلفتها الكورونا فاود ان اشير الى ان الجائحة التي نحن بصددها هي الاوسع والاخطر وربما الاكثر تأثيرا على طريقة تفكير وشعور وتصرف الافراد والمجموعات والشعوب على امتداد الارض فلا يوجد جنس ولا امة او شعب او جماعة بعيدة عن التأثر بالجائحة والسياسات والبرامج المرتبطة بها.
حتى اليوم لاتزال البشرية في مواجهة الوباء الذي لم يتوقف انتشاره ولم تتراجع نسب تفشي عدواه لا بل انه قد اصبح اكثرا تعقيدا واوسع انتشارا وربما اشد فتكا... ففي كثير من البلدان تجدد الانتشار بارقام قياسية بعدما اعتقد قادتها بان الايام الصعبة اصبحت خلفهم...
في فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة تتزايد الاصابات بالمتحورات الجديدة بنسب يصعب تخيلها وفي بلداننا تتجدد الويلات والمخاوف كلما اعتقدنا باننا تجاوزناها.
الجائحة التي صبغت الحياة الانسانية بصبغة موحدة بعدما بلغ التنوع اشده تشكل اليوم المصدر الاول للمخاوف والقلق وتحتل سياسات تعريفها ورصدها ومكافحة انتشارها اولوية متقدمة على اجندات الدول والجماعات والافراد.
هذا العدو الجديد الذي نغص حياة البشر وخطف ارواحهم واقلق راحتهم ونزع الطمأنينة من اوساطهم اصبح الاخطر والاكثر شمولا في تهديده لحياة وسلامة الافراد والجماعات عدو مصيري تتجه شراسته نحو بني البشر ايا كانت اجناسهم او اعراقهم او اعمارهم فهو يتقدم ويتكاثر ولا يوقفه الا الوقاية والتخفيف من فرص التعرض والحفاظ على اسس وقواعد التباعد وتجنب المخالطة.
في مجتمعنا زاد الخوف من امكانية الاصابة وتلاشت مهابة الموت بعدما فقدت تلاسر والاحياء عشرات الاحبة والاعزاء بلا مقدمات او تهيئة وضعفت ثقة الناس بالدَل والحكومات وتبين للناس عجزها عن مواجهة خطر كهذا فقد تنامى الوعي باهمية الصحة وهشاشة البناء والتكوين وابتعد الناس عن مواطن التفشي وقللوا من فرص التعرض...
غالبية الاوساط الاجتماعية اصبح التباعد مظهرا من مظاهر الاجتماع الانساني والكمامة اهم مستلزمات الاجتماع بالاخرين واكثر الموشرات واسرعها في تحديد وتقرير اذا ما كان الافراد مكترثين او غير مبالين.... خلال السنوات القليلة الماضية تغير وجه الزمان فاصبح التاريخ والحياة والتفاعلات والاحداث فيما بعد سبتمبر ٢٠١٩ تختلف تماما عن نظيراتها قبل هذا التاريخ.. اليوم لم يعد الناس يقبلون بعضهم البعض وهم حذرون عند المصافحة ولا احد يريد ان يقترب من الاخر وفي صدر كل واحد مقدار من الخوف والشك الذي يدفع به الى الاعتذار عن المشاركة وتجنب الاختلاط ورفض قبول الدعوات..
البعض وجد في الجائحة حجة اضافية للتحلل من كل الواجبات الاجتماعية التي وحدت شعَور وسلوك الناس عبر عشرات السنين..
من الملاحظ ان العديد من المجتمعات المحلية اوقفت الاحتفالات بالاعراس وتقديم الولائم واغلقت بيوت العزاء وفي البعض الاخر توقفت الالعاب والمنافسات وَتقلص الاتفاق على الحاجات الاستهلاكية المنزلية "واوجه الاستهلاك التفاخري"
على طول الفضاء الانساني وعرضه يلاحظ فقدان الموت لمهابته المعهودة وتراجع قدرة الناس على التعاطف والمساندة فقد اصبح للموت وقع جديد وجرأة مخيفة فهو يأتي بلا انذار او تحذير يخطف الشباب الاصحاء والرجال الاشداء والكثير من الاهل الاعزاء..
لقد وحد الوباء مشاعر الناس وجعل الكثيرين اقرب الى العبادة بعد ان تغير طعم الحياة ومعنى الصحة واعتاد الناس على فقد الاحبة بين ليلة وضحاها.
على الصعيد الانساني توقفت الكثير من الصراعات وبدى البعض اكثر اقبالا على التعاون بفعل ادراك الجميع لاهمية العمل معا.
العديد من الافراد وجد في الجائحة وتعليمات التباعد والعزل مناسبة للتحلل من كل الواجبات الاجتماعية بحجة انه مصاب او مخالط.
الصغار والكبار والساسة والامهات في ورطة لا حدود لها فقد ادرك الجميع ضعف قدراتهم وعجزهم عن مجابهة عدو ميكروسكوبي صغير وخسروا معركتهم وادركوا قلة ملائمتهم للحكم والتقييم والتنبؤ في كل ما يتعلق بالمستقبل الصحي للبشرية
الاثر الايجابي الذي يحتاج الى المزيد من الدراسة والتقييم يتعلق بتقريبنا من انسانيتنا والتعايش مع صورة ذهنية جديدة لنا تقول بان الانسان قد يغضب وقد ينزعج لكن المهم ان يدرك انه يعيش في عالم مكتظ بكائنات دقيقة قد يكون لها تأثير على وجوده وعلى مستقبله فعليه ان يفكر جيدا بهذا الوجود ويحترم الطبيعة ويبتعد عن التغول والتوحش حتى وان اغرته قوته المادية والعسكرية واذعنت لسلطانه بعص القوب والشعوب والزعامات.