اللجنة الملكية لتحديث المنظومة الاقتصادية .. ضرورة أردنية
د. محمد فخري صويلح
29-12-2021 07:08 PM
بالرغم من إلحاح الشارع الأردني نحو تحقيق إصلاحات سياسية باعتبارها المدخل الصحيح لأي اصلاح وطني حقيقي شامل.. إلا أن روافع الاصلاح الحقيقي تحتاج لإصلاحات اقتصادية وأخرى اجتماعية توفران معاً الأرضية الحقيقة والمتكاملة للإصلاح السياسي.
ولا يخفى على المراقب للشأن الأردني.. أن حالة الترهل العام خلال العقود الماضية أثمرت تراجعات وتشوهات في البنية الاقتصادية.. وعدم قدرة على تحقيق نجاحات حقيقية ومتراكمة فيها.
ولعل الثورة البيضاء التي أطلقها المقام السامي في إعلان اللجنة الملكية لتحديث منظومة التشريعات السياسية تستوجب إكمال مسيرة التحديث والتطوير في الشأن الاقتصادي كذلك.
ومن ضرورات الإصلاح.. القول بأن أي اصلاح اقتصادي يستلزم جملة من التحديثات وفق أجندة وطنية جامعة تركز على محاور رئيسة خمس:
أولاً: تحديث البيئة التشريعية.
تمتاز التشريعات الاقتصادية في الأردن والناظمة للعمل الاقتصادي فيه بثلاث سمات أساسية ،، الأولى عدم المعاصرة ،، فبعض التشريعات مثل قانون التجارة الأردني ما زال على حاله منذ ستينيات القرن الماضي،، والثانية: عدم الثبات ،، وهي سمة تبعث على القلق والارتياب لدى الاقتصاديين والمستثمرين،، ومن أمثلة ذلك قانون ضريبة الدخل والمبيعات الذي سرعان ما يتم تعديله كل خمس سنوات مما يؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الاستقرار والاستثمار في الأردن ،، والسمة الثالثة: عدم التفعيل ،، ومن أمثلة ذلك قانون صكوك التمويل الإسلامي ،، والذي أقر في العام 2012،، ولم يتم الانتفاع به ،، بالرغم من كونه أداة فاعلة لتمويل مشاريع الخزينة وتمويل عمليات التطوير والاستثمار في الأردن.
ما سبق يقودنا إلى الإشارة لجملة تشريعات تحتاج إلى رعاية واهتمام ملكي من خلال لجنة تحديث المنظومة الاقتصادية،، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : قانون التجارة، وقانون الشركات، وقانون التأمين، وقانون البنوك وما يرتبط به من تقنيات فرعية، وقانون صكوك التمويل الإسلامي، وقانون تشجيع الاستثمار، وقانون استثمار الأموال الوقفية، وقانون ضريبة الدخل والمبيعات، وقانون العقوبات بما يختص بالجرائم اقتصادية،، مع مراجعة شاملة لجملة التشريعات الناظمة للنشاط الاقتصادي والمالي في الاردن مسترشدين بأفضل الممارسات العالمية.
ثانياً: خلق مناخات جاذبة للاستثمار.
وهو ما يستلزم ابتداء معالجة الترهل الإداري والثقافة الطاردة للاستثمار المحلي والأجنبي لدى البيروقراطية الأردنية،، بالإضافة إلى تعريف الاستثمار كملف استراتيجي في ثقافة الدولة الأردنية وعدم اخضاعه للحالة الأمنية بما فيها من تحفظات ومقاربات قد لا تتفق و روح تشجيع الاستثمار واستقطابه،، وتبسيط الإجراءات مع دقتها ووحدة جهة القرار فيها بكل ما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية محلية أو وافدة،، وتعميق ثقافة الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،، وتعزيز دور القطاع الخاص ومنحه كل ما يحتاجه من محفزات للنهوض والقيام بدوره الاقتصادي في سياق خطة عشرية لتجذيره ضمن فلسفة وطنية واضحة،، وترويج الأردن اقتصادياً عربياً ودولياً بعد دراسة حقيقية لكل حاجات الأردن على المدى المتوسط والطويل.
ثالثاً : تفعيل مناطق استثمار تقني وزراعي وصناعي في قطاعات متعددة مع إعطائها الخصوصية التشريعية والضريبية والتسهيلات اللوجستية وتحفيزها على تشغيل العمالة الأردنية وبنفس الوقت القدرة على التصدير،، وتشجيع القطاع الخاص لفتح أسواق العمل فيه، وإعلان القطاع الحكومي عن حالة اكتفاء لعشريّة قادمة والتوقف عن التوظيف فيه.
رابعاً: ضبط الإنفاق الحكومي.
ولعل الإنفاق الحكومي الجائر وغير الموظف لتعزيز الاقتصاد الوطني بحاجة واضحة لإعادة تعريف وضبط من خلال دراسة أفقية وعامودية لكل مفرداته،، ودراسة أثر كل مفردة فيه ومعرفة القيمة المضافة لها في الاقتصاد الوطني،، أو العبء الذي خلقته دون ثمرة حقيقية،، وبما يكفل رسم خارطة طريق ضمن أجندة وطنية لخفض الدين العام.
خامساً: تفعيل القطاع الوقفي باعتباره القطاع الاقتصادي الثالث للدولة الأردنية.
فما زال القطاع الوقفي في الأردن بالرغم من حجمه وفرصه الحقيقية وأدواره وأدواته التي يمكنه تلبيتها سواء في الوقف الصحي أو التعليمي أو في قطاعات الطاقة والنقل والصناعة والمياه إضافة إلى دوره الديني بعيداً عن اهتمامات الدولة الأردنية وغير مدرج في برامج حكوماتها كقطاع اقتصادي ثالث يمكنه توفير إسناد حقيقي للموازنة العامة للدولة وملبياً لحاجات المجتمع المتعددة والمرهقة للموازنة العامة للدولة الأردنية.
ما سبق خماسية تحتاج توافقاً وطنياً،، وإرادة سامية تختزلها بأجندة وطنية اقتصادية جامعة تساهم خلال العشريّة المقبلة في حماية الاقتصاد الوطني وإعادة إنتاجه والنهوض به.