حديث الطاولات والرسائل على الخاص
د. هايل ودعان الدعجة
29-12-2021 11:47 AM
اما وقد اصبحت السياسة والخوض فيها، الشغل الشاغل للمواطن الاردني، وقد فرضت نفسها في كل زوايا المشهد الوطني ومساحاته، فقد كان امرا طبيعيا ان تستحوذ على اهتماماته واولوياته، حتى لا تكاد تكون هناك فرصة او مناسبة الا وكانت حاضرة، مطلقة العنان لاجنداتها وموضوعاتها لبسط حضورها كمادة للحديث والنقاش والمداولة على حساب ( مادة ) المناسبة الاصلية. الامر الذي يعكس حجم الاهتمام ( الشعبي ) بالسياسة وموضوعاتها التي يتم تداولها بعيدا عن الروايات الرسمية التي دائما ما يشكك ولا يثق بها المواطن، تماهيا مع فقدانه الثقة اصلا بمؤسسات الدولة، التي غالبا ما يغلف رواياتها الغموض وعدم الوضوح خاصة حيال الملفات والقضايا الوطنية الهامة والحساسة، التي يتم التعاطي معها بعيدا عن القنوات الدستورية والشرعية كاتفاقية الغاز واعلان النوايا مع الكيان الاسرائيلي مثلا.
واذا ما اضفنا الى ذلك الاشكاليات والتجاذبات والتساؤلات التي رافقت زج المشهد الوطني بمصطلحات جدلية وخلافية على غرار الهوية الوطنية الجامعة والعقد الاجتماعي والدولة المدنية وغيرها، وكذلك استهداف هوية الدولة وخصوصيتها وثوابتها ومكوناتها المجتمعية، واشغال الشارع الاردني بها، بعيدا عن الملفات والقضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها من القضايا التي يفترض ان تحظى بالاولوية على الاجندات الوطنية، فسنجد انفسنا امام حالة ضبابية تساعد على تكوينها مثل هذه الاجواء مجتمعة، بصورة تجعل المواطن يعيش تحت انطباع او اعتقاد بأن الجهات الحكومية والرسمية تخفي عنه شيء ولا تصارحه بالحقيقة، فأخذ ينتابه شعور بالخوف والقلق على مستقبله وهويته ووطنه. خاصة مع دخول بعض النخب السياسية على الخط، وهي تدلي بارائها وطروحاتها وتشارك الشارع الاردني قلقه وخوفه جراء حالة التخبط والارباك التي تغلف الاداء الحكومي والرسمي في التعاطي مع القضايا الوطنية كالمياه والطاقة والاقتصاد والتعليم والصحة والاصلاح السياسي والهوية الوطنية وتكرار فتح الدستور والعلاقات مع الكيان الاسرائيلي وغيرها من القضايا.
الامر الذي قد يدفع بعض المواطنين ويشجعهم على عدم الالتفات الى اللغة الرسمية في تفسير ما يجري حولهم، طالما انها تخلو من الشفافية والمكاشفة والصراحة والوضوح، فيلجأون الى استبدالها باللغة الشعبية وممارستها عبر منصات التواصل وطاولات المناسبات الاجتماعية، واذا اقتضت الضرورة فمن خلال الرسائل على الخاص التي غالبا ما تحمل لغة غير معهودة في التعبير عن مواقفهم من القضايا المطروحة والمثارة، وذلك بغض النظر عن صدقيتها وحقيقتها، طالما اختاروا التسلح بادوات اعلامية ( مشاع ) لنقل مواقفهم وتعليقاتهم ورواياتهم واحيانا تهويلها وتضخيمها والانحراف بها الى مآرب اخرى بحجة البحث عن الحقيقة التي - حسب ما يعتقدون - قد اخفتها الجهات الرسمية .. وبما ان مثل هذه اللغة الشعبية مفتوحة على كل الاحتمالات ( واللهجات )، فلا عجب ان تذهب بعيدا في تفسيراتها وكتاباتها حد اختلاق رواية مختلفة تماما عن الرواية الاصلية، قد تتجاوز فيها الخطوط الحمراء، وتصبح مصدرا للشائعات واطلاق الاتهامات ونشر الافتراءات. مراهنة على وجود بيئة شعبية حاضنة لها، تساعد على رواجها واعادة نشرها وتداولها بين المواطنين..
كل ذلك لاننا كجهات رسمية اخترنا التعاطي مع التحديات والقضايا الوطنية الهامة ( والحساسة ) التي تهم الوطن والمواطن بسرية وغموض، بعيدا عن المشاركة الشعبية ودون اظهار الحقائق ووضع المواطن بصورتها.