يعيد مجلس النواب ذاته في نسخ ليست بالجديدة، فالقلوب ملآنة والاستعراض على الحلبة يكشف ولع البعض بالمناكفات، والمشهد الذي حصل يوم أمس كجولة تحمية في فن الملاكمة ما بين أعضاء في المجلس يؤشرالى ان الديمقراطية عندنا لها فنون متعددة، ما يستدعي عقد دورات دفاع عن النفس، خصوصا عندما تتدخل السيدات بين زملائهن، وكنا سابقا نرفض هذا التعبير ونسميه بغير الحضاري ولكنه اليوم بات حضاريا جداً، لأنه يعكس صورة المجتمع الذي يتسابق الجميع فيه الى استعراض البطولات بسبب وبغير سبب، ولكن هل نحن الوحيدون في هذه الجغرافيا نتصارع على كلمة خرجت عن السياق؟
بالطبع لا، فغالبية برلمانات العالم يحدث فيها أكثر مما شاهدنا، ففي مجلس النواب التركي وقعت الواقعة بين نواب حزب التنمية والعدالة الحاكم وبين نواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي خلال اجتماع اللجنة الدستورية عام 2016 وتبادل الطرفان اللكمات والقفز فوق الطاولات بسبب الاتهامات بدعم حزب العمال الكردستاني، ومثلها معركة فريدة في البرلمان الأوغندي عام 2016 ايضا حيث دخلت النساء على خط المعركة وحملن قضبان حديد لضرب الرجال بسبب خلاف على مشروع قانون الرئاسة، وفي تايوان 2017 اشتبك النواب بما يشبه مباراة ثأر استخدموا فيها كل شيء ممكن من اللكمات وحركات الكراتيه، وفي البرلمان الأوكراني 2018 تسبب هجوم نائب على رئيس الوزراء وسحبه عن المنصة باندلاع وقيعة كبرى.
عندما يكون العقل غائبا عند البعض ندرك أن القضايا الفرعية هي الأهم عندهم وبهذا تضيع القضية الأساس، فتثور ثائرة البعض بسبب وبلا سبب ويكون السلوك الخارج عن الأسس سببا في تعطيل عمل المجلس ما يفوت على الجميع الوصول الى تفاهمات واعية ونقاش هادئ عند تمرير القوانين بفهم عميق الى مرامي ومستقبل مخرجات تلك القوانين، وهذا مقتل البطولات الآنية التي لا تأتي إلا بالنقد من قبل الجمهور الذي يستمتع بمشهد الشجارات ما بين النواب الذين يمثلون ناخبيهم، ولا تزال الكلمات غير المقصودة تتردد على ألسنة الناس بصورة نقد المجلس من «إقعد» أو «ما بطلعلك» إلى الصفعات والسحل الذي يتجاوز على كرامة الإنسان.
في تاريخ المجالس السابقة كان هناك أخطر مما حدث أمس، فمجرد كلمة قالها أحد الأعضاء تسببت بكارثة كادت أن تقتل أحد الحضور حينما دخل العضو الآخر بسلاحه الرشاش على مجلس النواب، في خرق خطير للأمن الديمقراطي قبل أن يكون خطرا على حياة الناس، ولكن في المقابل شاهدنا الكثير من النواب في مجالس سابقة وهم يعملون ويراقبون وينتقدون ويعترضون بكل لباقة وهمة عالية وبصمت وأدب، حتى أنهم كانوا على قدر عال من رحابة الصدر وقوة التحمل، وهذا يرجع الى فن التعامل مع الأغرار أو فئة الشباب المتحمسين جدا لوضع بصمتهم في جلسات المجلس، وغيرهم من «الفزيعة » الذين يزيدون الطين بلة، وهذا كله يستدعي اتخاذ إجراءات صارمة من رئاسة المجلس كي لا تتكرر تلك الحوادث.
المهم إذا كانت نتائج معركة النواب بالقبضات القوية ستخرج علينا بالفائدة وبالارتقاء أكثر من مصطحات الذكورية والأنثوية التي تسببت بخلافات هي الأخرى، فنحن نؤيد المزيد منها.
Royal430@hotmail.com
الرأي