الفوضى “الخلاقة” التي شهدها البرلمان يوم امس، مؤشر خطير، على الوضع خلال الايام القليلة المقبلة، فما نزال في بداية مناقشة التعديلات الدستورية، وسوف تليها تعديلات قانون الانتخاب، والأحزاب، وغير ذلك، واذا كانت البداية هكذا، فكيف سنصل الى خط النهاية في كل هذه القصة؟
هناك حالة توتر شديد، وشكوك، وتحفز سلبي شخصي وعام داخل البرلمان، وهذه لم تبدأ اليوم، بل بدأت منذ اسابيع، منذ قصة المياه مع اسرائيل، وما تلاها، ومن الواضح ان الكل مستنفر.
يوم امس شهد البرلمان مشادات وشتائم متطايرة، وفوضى، ادت الى رفع الجلسة، ثم تأجيلها الى اليوم الاربعاء، وما بين الاعتراضات على بعض ما جاء في تعديلات اللجنة القانونية على الدستور، وبعض ما يشعر به النواب من مخاوف حتى من قانون الانتخاب الجديد الذي قد يؤدي الى حل مجلس النواب، واجراء انتخابات مبكرة، ومع كل هذا شكل العلاقة بين النواب انفسهم، والنواب والحكومة، ومحاولات بعض النواب عرقلة كل قصة التحديث السياسي، نجد انفسنا في المحصلة امام فوضى خلاقة غير مسبوقة، في مجلس النواب، في اهم توقيت من تواقيت العمل السياسي؟
هذا جو غير طبيعي، من حيث التوقيت، وربما بعض النواب يريد عرقلة كل ما نجم عن لجنة التحديث السياسي، وربما يريد البعض بدء حملته الانتخابية مبكرا، تخوفا مما هو آت، وربما هناك حالة من غياب المركزية ليس بمعنى السيطرة على النواب، بل بمعنى ادارة المشهد برمته بين كل الاطراف، وربما ايضا هناك قوى سياسية خارج المجلس لها امتداد داخله، تريد افشال كل عملية التعديلات على الدستور، وقانون الانتخاب وغير ذلك، لحساباتها، او نكاية بأحد.
كان المأخذ الشعبي دوما على البرلمان انه قابل للسيطرة، او انه تحت السيطرة، من جهات مختلفة، لكنه في مشهده الاخير، لا يبدو تحت السيطرة، فهل هذا كان نتاجا لوضع طبيعي، ام انه انفلات تم تصنيعه في المختبرات، او انه يعبر عن موقف سياسي مبطن من قضايا محددة، او انها رسالة من طرف الى طرف آخر، تم تجسيرها من خلال البرلمان وما قد يشهده ايضا خلال الفترة المقبلة، وهي الفترة الاكثر اهمية، من حيث الدخول الى الملفات المرتبطة بالتحديث السياسي؟
في كل برلمانات العالم، تحدث مشادات، من هذا القبيل، لكننا اليوم امام حالة فريدة، لا يمكن مطابقتها مع ما يجري في برلمانات ثانية، لأن البرلمان في الأردن له سقف طوال عمره، لكننا نشهد شكلا مختلفا، وتتداول عمان السياسية تفسيرات حساسة بعضها لا يصلح للنشر والاشهار اساسا، حول ما يجري في البرلمان، لكن المؤكد ان تحليل المشهد سيؤدي الى استخلاصات مختلفة.
ما يمكن قوله بصراحة ان توصيات وتعديلات لجنة التحديث السياسي، مهددة اليوم، ويتوجب العمل على حماية العملية برمتها، او ادارتها، او الدفاع عنها، لأن الفاتحة المتعلقة بالتعديلات الدستورية مجرد بروفة مخففة عما هو مقبل وآت، وقد يذهب كثيرون في التفسيرات، لكن المشهد بحد ذاته لا يؤشر على استقرار في شكل ادارة كل هذه العملية، ولا في نتائجها.
نحن هنا لسنا في وارد اتهام احد، او الاصطفاف مع احد ضد احد، لكن قولوا بالله لنا ماذا يجري داخل مجلس النواب، ولماذا تغيرت الاجواء فجأة خلال الاسابيع القليلة الماضية، وصولا الى ما شهدناه في جلسة يوم امس، في توقيت ثقيل اصلا، ينتظر تنفيذ حزمة من الاصلاحات السياسية، وهي حزمة بحاجة الى حماية كبيرة وادارة وتوفر مجموعة اطراف شريكة تتضامن في الدفاع عنها.
مشهد يوم امس يختلط فيه الغضب الشخصي، وخلافات النواب الشخصية، بتفاصيل المشهد السياسي العام، والتوتر من كل المرحلة والتي ستليها، وما يمكن قوله هنا، ان المشهد يبدو مؤسفا بشدة، ولا يعبر عن حيوية ديمقراطية بقدر تعبيره عن فوضى خلاقة، في عمان، تقدح غامض الغيب وغيومه، لمعرفة اسراره، ولماذا ظهرت الآن في هذا التوقيت، وبهذا الشكل الغريب؟
الغد