شروط حزبية تعجيزية في توصيات لجنة التحديث السياسية
د. اسامة تليلان
28-12-2021 05:47 PM
كفلت المواثيق الدولية التي اقرها الاردن المتعلقة بحق التنظيم بعدم جواز فرض قيود على ممارسة هذا الحق، إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ومن يطلع على بنود قانون الاحزاب التي وردت في توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية يجد ان بعضها يفرض الكثير من القيود على حق تأسيس الاحزاب السياسية هذا ان لم نقل انه يعيق فعليا التمتع بهذا الحق، ومن اهم هذه القيود ما يلي :
اشتراط ان يكون عدد المتقدمين لتأسيس الحزب 300 شخص وان يكون عدد المؤسسين في المؤتمر التأسيس للحزب عند اشهار التأسيس الف عضو مؤسس.
وان لا تقل نسبة المرأة عن 20% من المؤسسين وكذلك ان لا تقل فئة الشباب عن 20%.
اولا، هذه الشروط وغيرها لا تتماشى مع المؤشرات والمواثيق الدولية في حرية التنظيم وتتعارض تماما مع فكرة التحديث لدينا التي تهدف الى خلق حياة حزبية فاعلة ومؤثرة بل انها تجعل حق انشاء الاحزاب مقصورا على جهات وفئات بعينها وتفرض قيودا واقعية على الاخرين في ممارسة هذا الحق. هذا كله يأتي ايضا ضمن مزاج عام عازف عن الانخراط بالاحزاب السياسية .
الامر الاخر انه في اغلب التجارب الحزبية في الدول التي تشهد حياة حزبية فاعلة لا توجد مثل هذه الشروط بدليل وجود عشرات واحيانا مئات الاحزاب الصغيرة غير المؤثرة الى جانب حزبين او ثلاثة لهم حضور وتأثير سياسي عام في المجتمع والمؤسسات السياسية ( امثلة فرنسا وبريطانيا وغيرها.
ثانيا، لقد جربنا في قوانين الاحزاب السابقة مثل هذه الشروط الا انها لم تنتج حياة حزبية فاعلة وتم التراجع عنها بعد ان تم تجريبها ولا ادري ما الحكمة من اعادة تجريبها مرة اخرى وقد ثبت انها تعيق تحقيق الهدف المطلوب.
ثالثا، هذه الشروط تتعارض تماما مع ما ذهبت اليه اللجنة في قانون الانتخاب التي نصت فيه على وجود قائمة حزبية وطنية وهذا يتطلب قانون احزاب رشيق يوفر المرونة في تشكيل الاحزاب وائتلافها.
والا سنفقد الميزة التي وفرها قانون الانتخاب، لان هذه المنظومة ينبغي ان تعمل بشكل متناسق ومتكامل .
رابعا، يبدو ان فكرة الاحزاب الايدلوجية والجماهيرية ما زالت تؤثر في البنية الخلفية عند التفكير بهندسة الحياة الحزبية والاحزاب، لقد انتهى زمن عدد اعضاء الحزب بانتهاء حياة الاحزاب الانقلابية والايدلوجية وتحولت الاهمية لعدد الاصوات التي يستطيع الحزب الحصول عليها من صناديق الانتخاب، لقد تحولت اليات المشاركة في صنع القرار اذ لم تعد تعتمد على الانقلابات والخلايا السرية والعلنية وانما على التنافس عبر صنادق الانتخاب.
ولا ننسى ان نسبة عدد اعضاء الاحزاب في مختلف الدول متقاربة ولا تتجاوز باغلب الاحوال 3%.
قانون الاحزاب كان ينبغي ان يكون رشيقا خاليا من أي بنود تعيق انشاء الاحزاب من اجل المضي في ترسيخ الحياة الحزبية باستثناء بعض البنود الضرورية، ويبقى امام المشرع ان يضع ما يشاء من الشروط ليس في قانون الاحزاب وانما في نظام التمويل المالي للاحزاب اذ لا ينبغي ان يحصل كل حزب على التمويل ولا ينبغي ان تحصل الاحزاب على نفس قيمة التمويل. ولا ينبغي ان تحرم مجموعة من تشكيل حزب سياسي.
ويستطيع ايضا ان يضّمن بعضها في الشروط اللازم توفرها لتشكيل الاحزاب قوائمها ومن الحزب الذي يستطيع ان يشكل قائمة. وهذا لم يرد في التوصيات.
هذه القيود التعجيزية لن تصنع احزابا قوية ومؤثرة بل يمكن القول انها لولا وجود القائمة الحزبية في قانون الانتخاب لاجهزة على الحياة الحزبية تماما.
(يتبع)