تصويت نقابة المهندسين .. الحق أبلج والباطل لجلج
د.خليل ابوسليم
28-12-2021 12:49 PM
قيل في الأثر وعلى سبيل الحكمة والموعظة، أن رجلا ميسور الحال وممن وسع الله عليهم في المال والرزق على زمن الدولة العثمانية، كان قد فُرض عليه مبلغ من المال كضريبة، ولما كان الرجل في نفس الوقت من أشد الناس حبا للمال واكثرهم بخلا، فقد كان يمتنع عن دفع تلك الضريبة للوالي العثماني، فكان يؤتى به بعد عدة استدعاءات ومطالبات ويتم الزج به في السجن، وتصدر الاوامر بجلده واهانته حتى يستجيب للامر المفروض عليه، وفعلا وبعد صولات وجولات من المقاومة والرفض كان يستجيب في نهاية الامر ويقوم بدفع الضريبة المستحقة عليه صاغراً، لبث الرجل على هذا الوضع حينا من الدهر الى ان توفاه الله، بعد ذلك ورثه ابناؤه واصبحوا هم المالكين من بعده للثروة الهائلة التي تركها لهم.
الغريب في الامر ان هؤلاء الابناء كانوا يدفعون الضريبة دون ان يتم طلبها منهم وقبل موعد استحقاقها بعدة اسابيع واحيانا اشهر.
هذا الامر لفت انتباه الوالي ذلك الحين، فاراد ان يعرف سبب تغير الحال، فقام باستدعاء الابناء الى ديوانه لسؤالهم عن سبب قيامهم بدفع الضريبة قبل موعدها ودون ان تطلب منهم!!!
هنا انبرى احد الابناء للرد على الوالي وكان على درجة عالية من الفطنة والذكاء، فسأل الوالي: يا مولاي، هل كنتم تعفون والدي من الضريبة بعد ان يتم حبسه وضربه؟ فقال الوالي لا، لقد كان يدفعها صاغرا بعد ان يتم اهانته وضربه. فقال الابن: سامح الله ابي، كان يُجلد ويُهان وتُحجز حريته ثم يدفع الجزية رغماً عن أنفه، فلم لم يدفعها ويحتفظ بكرامته وعافيته!!! فوالله لو علمت انكم كنتم تسامحونه بها بعد كل هذا العذاب والمهانة ما دفعتها لكم مطلقا.
الامر ينطبق أيضاً على الاخوة اعضاء مجلس نقابة المهندسين، لماذا ذهبتم الى استفتاء الهيئة العامة على التعديلات المقترحة وانتم تعلمون علم اليقين ان الغلبة ليست لكم؟! وأن النتيجة محسومة سلفا لصالح المعارضين لها! فهل كنتم مثلا تراهنون على تدخل الدولة العميقة لقلب النتيجة وتغيير موازين القوى لصالحكم؟ اعتقد هذا ضرب من الجنون في وقت الشارع فيه محتقن ومتحفز لكل تدخل حكومي، خصوصا في ظل تردي الاوضاع السياسية والاقتصادية، وفي ظل بطالة باتت قنبلة موقوته لا نعلم متى تنفجر، وإن حدث ذلك فلا يمكن لأي عاقل أن يتكهن بالعواقب.
أما وقد آلت النتيجة الى ما آلت اليه، فأرى من الحكمة ان تتنحوا جانبا عن ادارة اعرق نقابة في تاريخ الاردن، والتي ارى انكم قمتم بالتلاعب بها في الاوانة الاخيرة.
الحكمة المستفادة من كل ما سبق، هو ان في الاتحاد قوة وعصمة ومنعة، ومهما حاولت قوى حكومية أمنية ان تتدخل ولو مؤقتا، فانها لن تستطيع الوقوف في وجه أمة متحدة، وإن حصل ذلك فانما يكون مؤقتا غير دائم، فالحق دائما أبلج.