"القادم أفضل" عبارة مطاطة، مقاتلة، أو مخادعة، حقيقية، أو مضلّلة، مقدامة، أو مستسلمة. إذا كنت في فصل الشتاء وتعاني من شدة البرد، و"دّلف" سقف بيتك، وقلت أن القادم أفضل، فأنت صادق، لأن الربيع هو القادم، وإذا كنت تحلم بالضياء ونور الشمس وتعاني من "فوبيا" العتمة، وقلت أن القادم أفضل، فأنت واقعي، لأن النهار يأتي بعد الليل، وإذا كان الله قد رزقك بولد عاق، وقلت أن القادم أفضل، وزوجتك حامل في شهرها الثامن، فذلك أمل في ما هو قادم، أما كنت تحلم بأن تصحو عند الفجر، وقد نبتت سنابل قمح في حقلك دون أن تزرعه، فأنت واهم وليس حالم.
ليس صحيحاً القول أن المتفائل هو مسافر بلا رحلة من اللامكان إلى السعادة، وليس صحيحاً أن المستحيل كلمة موجودة فقط في قاموس الحمقى. من يقول ذلك أحمق، فالممكن يقابله المستحيل، واللين عكس القاسي، والماء نقيض الحجر. التفاؤل وحده لا يصنع ما هو ممكن، والأمل ما هو إلا نافذة للعاملين، وحلم حقيقة، للحراثين والبنائين وصنّاع الحياة.
فارق كبير بين التفاؤل والوهم، وقول الرسول الكريم: تفاءلوا بالخير تجدوه، لا يعني قلة العمل، وترك الأمر لله دون أن يعقل المرء ويعمل، فإذا لم يكن لك في حياتك ما تعمل، إفعل ما شئت، سوى أن لا تلقي مسؤولية مستقبلك على فسحة الأمل.
كيف سيصلح الحال، ويصبح القادم أفضل، وأنت قاعد القرفصاء، وكيف ستنهض الأوطان ويصبح قادمها أفضل، إذا كانت معاناة أبنائها تزداد يوماً بعد يوم، ومؤشرات التنمية تنخفض عاماً بعد آخر. الله جل شأنه لا يُسقط الآن من السماء ثمار المن والسلوى على الجائعين، وملائكة السماء لن تهبط لزراعة الأرض. المستقبل يصنعه الإنسان العامل المُجِد، المجتهد، وهو الوحيد الذي يستطيع المراهنة على أن مستقبل أفضل طالما أنه يسهم في رسمه،، لأنه يدرك أن ما يبذله من جهد، لا بد وأن يثمر، وعندما قال البحتري: "لنا في الدّهر آمالٌ طِوالُ، نُزجّيها، وأعمارٌ قِصارُ"، لم يقل أن آمالنا في الدهر قائمة على القعود، فالأمل قد يقودك إلى الأفضل، أو يُزري بك الدهر كما قال النابغة الشيباني: "والمرء يزري به في دهره الأملُ". وحتى العلم لا جدوى منه إذا لم يقترن بالعمل، ولن يصبح القادم أفضل، إلا إذا اقترن العلمُ بالعمل، وإلا، فسيكون القادم "ليس أفضل".
أقول ذلك وأنا أستذكر وداعنا في نهاية كل عام، عاماً بعد آخر، نلعن العام الذي نعيشه، ونأمل خيراً بالعام الجديد، ولكن دون عمل، ولذلك ترانا نودع عاماً قاسياً، لنستقبل ما هو أقسى منه، وأتمنى أن يكون القادم أفضل، فمن يكره !