عادة ما اكتسب الحِكمة من « كائنات» غير متعلّمة. ناس بسيطة ،تعيش على باب الله مثل الحاجة « هدى» التي تبلغ من العمر 80 عاما ـ على ذمّتها ـ مع مراعاة فارق التوقيت بين مكان سكنها في « البقعة» و»الجبيهة» حيث يقع بيتي.
لقيتُها « زمان «.. عندما كنتُ أذهب لعمل تحقيق حول النازحين واللاجئين في ذكرى النكبة.
هي سيدة طيّبة من اللواتي تشعر نحوها بـ « أمومة « ودفء انساني كبير.
وكلما جاء سكّان جُدد الى البيت المجاور لشقتنا، تذكّرتُ مقولات الحاجة « هدى» ومن أشهرها أن الناس تحصل على رواتبها، ليس من أجل التمتّع بالعيش ،بل « عشان تستشّر خزوك». أي تُغلق « ثقوب» والمقصود المتطلّبات الآنية والمُسْتعجلة مثل أقساط المدارس والفواتير والعلاج وغيرها من الاقساط مثل اقساط السيارة والبيت .. إلخّ الخ !
امس جاءنا « سكّان « جُدد لاستئجار البيت المجاور. وكما فعل الذين جاءوا من قبلهم ، قاموا بغسل الشبابيك ،وهو ما أزعجنا ،كون المياه الوسخة وصلت الى بيتنا. وبعدها وعلى مدار يومين ، بدأنا نسمع « الحفر» بالدرلّ ،إضافة الى طرقات « الشواكيش». وعندما قلتُ للرجل « المستأجِر الجديد»أنني اعتدتُ أنام « قيلولة بعد الغداء»،ورجوته ان يؤجِل « الدقّ» الى وقت آخر،نظر اليّ شزْراً ،وعندما تأملتُ « جسمه وعضلاته» الضخمة ، اختصرتُ الموضوع،وطلبتُ منه « مواصلة الحفريات» إذا كان ذلك ضروريّاً.
وفي اليوم التالي ،ابتسم لي ذات الكائن «مفتول العضلات» وقال لي :
ـ آسفين يا جار،بتعرف إحنا مستأجرين جداد ،وفي خزوق قديمة ،لازم نسكّرها، وكمان لازم « نخزق» ل « شاشة التلفزيون» و « الستالايت». واشار الى ان الحياة « صعبة» وبخاصة عندما سألتُه عن «أُجرة البيت» فقال 300 دينار شهريا واحنا يادوب قادرين ،نسكر هالخزوق اللي مش عارفين نخلص منها.
بصراحة ،أثار الرجل «أحزاني» ولولا أنني « خشيتُ» أن يعتبرني « شفقان» و» بتمسخر عليه « لبالغتُ في إظهار مشاعري.
من أقوال الحاجة « هدى» الشهيرة في هذا المجال :» في ناس بتسكّر خزوق» وفي ناس بتحب المظاهر،يعني « كَبْرة ع خازوق» !!