تحسست بطني المنتفخ متفقدة العريس ( كما كانت تناديه ) المنتظر بشغف وشوق ، هذا العريس الذي ظنت أنه سيقلل من حدة نقمتها على الحياة !

وضعت إحدى أذنيها على بطني تحاول الإستماع لذبذبات شقلبة الجنين داخل أحشائي متمتمة بعبارات الحب لمجهول صغير انتظرت ان تحمله بين أذرعها .

قالت : "آه ياحبيبتي ... لقد أشتقت له قبل أن آراه ، لا تنسي أن تجمعي الملابس التي أشتريتها له عندما يأتي زوجك ليصطحبك إلى المنزل ،و أحرصي على تركها في أكياسها وعندما آتي لزيارتك سأقوم بترتيبها بنفسي داخل خزانته ، يالله كم هي جميلة ،، وكم ستبدو أجمل عندما سيرتديها حفيدي المدلل "

وكأي حامل في شهرها التاسع ، أسنتشقت أنفاسي الثقيلة ثم قلت لها " لا تقلقي يا أمي ! لقد أقترب الموعد ، بعد ثلاثة أيام سأذهب إلى طبيبة التوليد وأظنها ستخبرني بأن ولادتي أصبحت قاب قوسين أو أدنى ، ... لا عليك فحبيبك شارف على الوصول ."

لا أدري ما الذي حصل ؟! شعرت بثقل من الحزن وبؤس شديد يتربص على قلبي بعد أن قلت لها ذلك ، حينها خلت نفسي كأي من مثيلاتي تخاف من القادم ... الولادة للمرة الأولى وما سيأتي بعدها...

بعد ثلاثة أيام ذهبت الى الطبيبة متوسلة أياها أن تعود إلى كتب الطب والدواء ، أن تفعل ما لم يفعله سواها أحد لتؤجل ولادتي لا تعجلها !!

أيها الطبيبة ...

بالموجات فوق الصوتية تستطعين رؤية الأبناء في بطون أمهاتهم ، أتوسلك أن تستخدمي كل ما لديك من موجات لتتصلي بذاك الطفل في أحشائي قولي له على لساني " اصبريا ولدي إن الله مع الصابرين ، ابقى في مكانك حتى تبرئ حبيبتك وتكون في صفوف المستقبلين لمجيئك الميمون !! أصبر على ضيق المكان وضنك العيش في ذاك البطن الصغير حتى تعود جدتك إلينا ويعود معها الحنان ...يا ولدي فاقد الشيء لا يعطيه ! فقدت إبتسامة أمي وغابت عن شعري ذراعيها ، فقدت صوتها الرحيم ، فقدت عطفها علي وعليك ، فقدت أحلى ما في الدنيا ... فقدت حنان أمي ! ! ياولدي لعنة الله على تلك الجلطة الدماغية التي أصابت أمي في ليلة سوداء أردتها طريحة الفراش فشلت لسانها وذراعها وساقها وأردتها طفلة عمرها 48 عاماَ ... يالله ياولدي لو تعلم كم كان صوت جدتك جميلاَ عندما تنطق بإسمك ... ألم تسمعها تقول لك مراراَ ( يا عدي .. يا نور عيون التيتا ...هيا تعال الى الدنيا لتنال نصيبك من حبي وحناني ... تعال لتنام بين أذرعي وتشعر أنك كدت ان تصبح أغلى من أمك على قلبي ، فكما يقولون ما اعز من الولد الا ولد الولد ...) ...

بعد دقائق قالت لي طبيبتي أن جهازها يستقبل موجات من الجنين وها هو يقول لك "

أماه يا غالية ...أطلقي سراح عصفورك الذي سأم القفص منه وراح يدفعه خارجاَ في كل ليلة ، أطلقي سراحي ودعيني أخرج الى هذه الدنيا لأقف معك بإنتظار أمك وجدتي ، وبدلاَ من أن تستقبلني سأستقبلها وأقبلها واداعبها وأرتشف الحنان من شفتيها.... أطلقي سراحي عل أمك وجدتي تبرأ مما هي فيه "

وهكذا لم يحتمل جنيني المكوث في أحشائي أكثر من تسعة أشهر ، فخرج الى الدنيا بعدد من طلقات الولادة التي رددت بها بعالي الصوت " يارب أشفي أمي " نطقت تلك الجملة مرات ومرات ونطقتها معي جداران المشفى ،ورحت أتمنى لوأنني أخرج من غرفة العمليات لأجد أمي أول المستقبلين لي ولطفلي وفي ذات اللحظات التي وصل بها طفلي الى الحياة كانت أمي ترقد على سرير في مشفى اخر بعيد ويبدو أن صوتي وصلها عبر جدران المسافات ، فراحت تجهش بالبكاء ، وما عساها أن تفعل غير ذلك فقد سكت لسانها عن الكلام منذ أصابتها السكتة الدماغية ...

فتحت عيوني فوجدت طفلي بين يدي ولكنني لم أجد أمي وتبدد الحلم الجميل ...


مضت ستة أشهر حتى الآن ، وأمي على حالها بلا حراك ولا كلام ...

عودي لنا يا أمي ... عودي فلقد نفذ صبري على ذراعيك تلاعب شعري .. نفذ صبري في إنتظار سماع صوتك تقولين لي ( الله يرضى عليك رضى قلبي ورضى ربي )

عودي لنا يا امي فلا زال العريس متلهفاَ ليداك البيضاء تداعبه وتلاعبه ...

عودي لنا يا أمي فلا زالت ملابس عدي بإنتظار من يرتبها ... ولا زالت أذناه بإنتظارك تغنين له حتى ينام كما كنت تغنين لأمه قبل ستة وعشرين عاماَ ...عودي لنا يا أمي فلقد قسى علينا الناس والزمان ...!؟؟

عودي يا أمي فاليوم 22 /7 يصادف ذكرى ميلادي ... ألن تقولي لي كل عام وانتي بألف خير ؟