صنعت المقاومة الفلسطينية للأمة العربية وبالتحديد الغزاوية، لا شك للعرب شيئاً جديداً مخترعاً اسمه الكرامة، ومن قال غير ذلك فهو ( غلطان ) وخاصة في ظل انعدام الاختراعات الكريمة.ولذلك يحق علينا استهلال الحديث هذا بالتذكير بأهل الكرامات وغزة العزة فنراها توزع من عزتها وكرامتها الفائضة حصصا بالتساوي على أمتنا كلها.
وسأكمل ناظرة غزة أمام الأمة وخلفها لا تحيد ولا تحايد، فهي بالتأكيد للأمة العربية كلها ( كرامة عدم الانحياز ). وجاء هذا الاختراع في عصر اللا اختراع واللا تفكير حيث يصاب التفكير العام العربي في هذه المرحلة السوداء بالشلل والرضا بالميسر خاصة تحت وطأة تراجع الثقة والتفاؤل بقيمة معنى كرامة الإنسان.ووطأة وثقل التردد السيكولوجي الرسمية أمام الانطلاق والسباق مع القوة الغاشمة.
فأضحى الكائن الراكد المتشائم المخذول شبه مشلول.
ومن لم يصب بالركود الكامل، وفاز بشلل نصفي نسمع أنه فخور بالنصف المتحرك.
يرافق شلله النصفي صداع نصفي، فلا يستقر المخيخ الذي يوازن بين اليمين واليسار والوسط.
ولم يعد للإنسان العربي في الجسم الآسيوي الإفريقي بذرة في عموده الفقري توجهه نحو شيء اسمه التفكير باختراع الكرامة.
وحيث إن الاختراع الوحيد في العالم المستقوي ضد ضعاف الحركة وانعدام السباق وشلل الإنطلاق هو تعليمهم دروس التناحر الذاتي، فإننا نعثر على دارس عربي ممتاز لفنون ( فش الغل ) بالقريب والحبيب. ونجد أنه كلما تعلم الراكد علوم وفنون فش الغل، تطورت الدروس التي يتلقاها إلى علم الانتقام وفقه احتقار الوئام والاستهزاء بالكرامة وأصحابها الكرام.
وكما هو دارج في مرحلة تشدق عدو الأمة بالسلام، نجد أن الهيمنة على العقول والأمخاح الدولية سهل ومقنع ويفوز بالإبل، وفي نفس أضابير التدريب أجزاء كبرى تتوجه للرؤوس العربية تفضي إلى تلقينها وتعليمها أساليب القوة والذبح ضد أهلها وليس فقط تفريغها من سبل اختراع عزة وكرامة المخ البشري.
ذلك فإن العقول باتت مشلولة عن تقدير أصحاب الكرامات وأصحاب الشعارات وحاملي الأدبيات الداعية واللاهبة بذكر كلمة العزة او الكرامة.
والحقيقة أن البشرية جمعاء غفلت عن اللعبة الدولية الغاشمة المنظمة، فمنحت نفسها أحقية الاصطفاف مع مرددي مصطلح ( السلام ) وباتت الأمة العربية رغم رداءة ركودها ترفع شعارا قاتلا من بيتك لتتمكن من قتال عدوك، وكل ذلك تحت بند هدر الكرامة وطمس العزة، فيتعاظم الطائعون ويتناسلون..
حتى تحولت اكثرية الأمة المحبوبة لأدنى البشر دون منازع، تستصغر التيارات والجماعات و الأحزاب في مجتمعاتها التي هي من لحمها ومن دمها، وتتندر بها وتطلق عليها النكات المثيرة للضحك !!وتقهقه على الأفراد الذين ورثهم الزمان من عهوده الغابرة مفردات الصحوة والكرامة والعزة ! وتدعي بأن تلك البطولات والمرجلات قد عفا عليها الزمن، فتضحك منها وتسخر وتكركر هزءاً من أصحاب عبرة ( كرامتي ) وعزتي !، وتطالب بتحويلهم لأقرب طبيب نفساني أو مستشفى للعلاج السريع ! أما الحكومات فتسارع بسن توجيهات وتعليمات لدس جروبات من ممثلي ومدعي عشاق العزة والكرامة فيختلط السليم مع السقيم...ويمتزج الصالح مع الطالح.ولما يزل في الرؤوس فتيلة تمييز بين هذا وذاك. ولا يلتفت الزمان مهما غلفته الدماء المهدورة والطهورة إلا لأهل الكرامات.
(الدستور)