منذ عشرين سنة ، ما زلت كلما التقينا أقع في عشقها ، ملهوفاً بالحنين ، شاهقاً من فرحتي ودهشتي ، فأقبلها وكأني للمرة الأولى أذوق بعض فستقها ، أو شهد رضابها ، وأحضنها وكأني للمرة الأولى أحس بكهربائها ، فأتفقد خصلة شمس تركت ورودها على وجه خزنتها. يااااااه ، كم كان يلزمني من الشعر ، ومن لهيب الشوق: كي أصعد إلى سيدتي البتراء،.
صباح اليوم ستكون وجهتنا إلى جنوبنا المحبوب ، تقودنا بوصلة الأشواق لمدينتنا الشماء ، ووادينا الخلاب رم ، ضمن مخيم إبداعي يضم شعراء وقاصين وإعلاميين وفنانين ورسامين وإذاعيين ، مخيم شبه عائلي دأبت مشكورة على تنظيمه ورعايته وزارة الثقافة ، ليجدد الواحد منا اشتباكه مع روح المكان وبوحه ، وليجدد فينا دماء الدهشة ، بعد أن أجهزت علينا ضوضاء المدن ورتابتها.
ربما عليك حينما تزور البترا للمرة الأولى ، أو حتى للمرة العاشرة بعد المائة ، عليك ثم عليك ، أن تتحول إلى عين صقرية محدقة وقانصة ، عين نهمة غير مهادنة تقرأ ما بين خطوط الضوء والعتمة ، وتلتهم كل تلك المشاهد الخلابة المباغتة عبر هذا السيق الصخري ، وحين تلتقي وجه لوجه وقبلة لقبلة مع الخزنة الوردية: ستعرف معنى الدهشة ، وعندها إمسك عليك قفص صدرك ، فلا أسهل من هروب القلوب،.
وربما عليك أن تقرأ إرادة الحياة لشجرة تين عنيدة ، انبجست بقوة في صخرة عالية في ذلك السيق ، وعليك أن تبقى متيقظاً كحارس ليلي لحالة الدهشة التي تقابلك بها أشياء بترا ، وستفتح لك مسارب الرؤية على رحابتها ، لتقرأ بلغة جوانية معني عظمة الحضارة التي أقامها أجدادنا الأنباط في هذا الصخر العنيد البعيد،.
سنبقى على قيد الحلم ليومين في بتراء ، قبل أن نصعد إلى قمر رم ، هذا القمر الذي أتربص به منذ سنين ، وأتحدى إن كان هناك قمر في الدنيا أقرب إلى راحة يدك حين تمدها لترفع خصلة ليل عن وجهه ، أتحدى إن كان هناك قمر إقرب إلى الأرض من قمر رم.
فسلام عليك يا رمال رم ، ويا جبالها الشاهقة بالكبرياء والصفاء ، فما زلتً تقولين للدنيا أن هذه أرضنا ، ضاربة جذراً عميقاً في الحضارة والتاريخ ، والجمال.
ramzi279@hotmail.com
الدستور