إعلان النوايا وتبادل الماء بالطاقة، ما هي البدائل؟
أ.د. ماجد ابوزريق
23-12-2021 06:49 PM
في 22 كانون الثاني من هذا العام تم توقيع اتفاقية إعلان النوايا بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الاحتلال الإسرائيلي لتبادل الماء بالطاقة، بالاشتراك مع دولة الإمارات العربية الشقيقة، وبحضور السيد جون كيري المبعوث الأمريكي للتغير المناخي، وقد وقع الاتفاقية عن الجانب الأردني وزير المياه والري الدكتور محمد النجار ومن الجانب الإسرائيلي وزيرة الماء والطاقة والبني التحتية كارين الحرار، وقد مثل الجانب الإماراتي وزيرة البيئة والتغير المناخي مريم المهيري، ولا شك بان الاتفاقية تعود بالفائدة على جميع الأطراف الا ان الأردن هو اقل الرابحين من الصفقة لأنه كان بإمكانه الحصول، ولا زال باستطاعته، على منافع تفوق ال 200 مليون م3 من المياه سنويا.
في 2-12-2018م. كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن إنشاء خط أنابيب شمال إسرائيل لضخ مياه محلاة من محطات تحلية المياه وتخزينها في بحيرة طبرية لسد العجز المائي في البحيرة ووقف التناقص في ارتفاع الماء وأيضا لتزويد الأردن بالمياه عبر نهر اليرموك، فقد تناقص ارتفاع بحيرة طبرية على مدى 20 عاما بسبب استغلال إسرائيل لمياه نهر الأردن وضخها الى جنوب إسرائيل للزراعة، وفي العام 2018 وصل ارتفاع البحيرة إلى 1.64 م تحت الخط الأحمر، بدأت إسرائيل بالتفكير بتحلية المياه في العام 2000، فقد أطلقت خطة متكاملة لبناء محطات تحلية على شواطئ البحر المتوسط، وقد كانت إسرائيل تفكر في كيفية زيادة انتاجها من المياه بعد أن ضمنت تدفق المياه من نهر الأردن واستولت على المياه الجوفية ضمن مناطق السلطة الفلسطينية من خلال الاتفاقيات الثنائية، وفي العام 2005 عقدت اتفاقية مع تركيا لتزويدها بحوالي 180 مليون م3 سنويا ولم تتم هذه الصفقة لظروف سياسية، اتجهت بعد ذلك إسرائيل الى إنشاء 5 محطات تحلية كبرى على شواطئ المتوسط بطاقة إنتاجية تزيد عن 750 مليون م3 وبدأت بإنشاء محطة أخرى العام الماضي وبطاقة تصل الى 200 مليون م3 سنويا وبتكلفة تعتبر الأرخص في العالم تتراوح بين 40 إلى 60 سنت /م3، وبهذا المشروع توصلت إسرائيل إلى حل مشكلتها المائية تماما وأصبحت المياه المحلاة تغطي 85% من حاجة اسرائيل وأصبحت تضخ المياه الزائدة عن الحاجة إلى بحيرة طبرية، ومن المتوقع ان تتوسع إسرائيل في انشاء مزيد من محطات التنقية ليصل عددها إلى عشر محطات ولتبلغ كمية الماء المحلاة إلى 1.5 بليون متر مكعب سنويا سيخزن ثلثها في بحيرة طبريا.
اضع هذه المقدمة وذلك لفهم الظروف التي أدت بدولة الاحتلال الإسرائيلي الى توقيع مثل هذا الاتفاق وتعظيم مكتسباتها قبل الشروع بإسالة المياه الزائدة من بحيرة طبريا الى نهر الأردن، وكان على المفاوض الأردني، ولا زال يستطيع، تعزيز مكتسباته ضمن هذا الإعلان مما سأوضحه لاحقا في هذه المقالة قبل التوقيع النهائي على الجدوى الاقتصادية، ومن هنا يتبين بان تسويق إعلان النوايا بانه مجرد اتفاق بين الأطراف للبدء بدراسة جدوى المشروع ليس كافيا لكي يبدد المخاوف لدى ممثلين الشعب في مجلس النواب ويخفف من المعارضة الشعبية العارمة لهذا الاتفاق، كما ان وصف هذا الاتفاق بإعلان النوايا فقط ليس دقيقا أيضا من الناحية العلمية من وجهة نظري فإن الاتفاق قد تم بالفعل أو على الأقل نصفه حيث إن إسرائيل تنتج الآن مياه محلاة تزيد عن حاجتها بأكثر من 200 مليون م3 سنويا ولا تستطيع الاستمرار بتخزينها في بحيرة طبريا بسبب ارتفاع منسوبها لأعلى حد ممكن (حوالي 209 م تحت سطح البحر)، ومن خلال هذا الاتفاق سيتم إسالة 200 مليون م3 حال الانتهاء من بناء محطة توليد الكهرباء في الصحراء الأردنية وربطها بشبكة كهرباء دولة الاحتلال الإسرائيلي، واتوقع ان تقوم اسرائيل بإسالة حولي 100 مليون م3 هذا الشتاء وذلك لمنع حدوث فيضانات على شواطئ بحيرة طبريا. وقد حدث هذا فعلا في الصيف الماضي عندما تم إسالة 50 مليون م3 من بحيرة طبريا لصالح الأردن تم الإعلان عنه بعملية "شراء ماء“مع ان هذه الكمية منصوص عليها في اتفاقية وادي عربة عام 1994 والتي نصت على "ان يقوم الجانبان بالعمل على تزويد الأردن ب 50 مليون م3 إضافية من مياه نهر الأردن حال توفرها"، اما وقد توفرت الأن فكان لزاما على إسرائيل تزويدنا بها كل عام.
ولتحسين ظروف الاتفاق، فإن الأردن يستطيع أن يمارس جولة بما اسميه دبلوماسية المياه لخلق اتفاق إقليمي مقبول شعبيا يشمل دولة فلسطين ويضم أيضا توزيع عادل للمياه في الأراضي الفلسطينية، وهذا حل قابل للتطبيق إذا ان إسرائيل لم تعد بحاجة إلى المياه الجوفية في مرتفعات الضفة التي استولت عليها عام 1967 وان إرجاع هذه المياه لصالح الفلسطينيين بحصة كافية سيخلق جوا من الثقة في الوسط العربي وسيزيد فرص السلام والاستقرار في المنطقة، وحقيقة الأمر بأن دولة الاحتلال أصبح لديها فائض مائي وليس لها القدرة على تخزينه في الوقت الحاضر، حيث ارتفعت مياه بحيرة طبرية نتيجة ضخ المياه المحلاة من محطات التحلية على شواطئ البحر المتوسط بأكثر من 4 م، وتحديدا، من 214 م تحت سطح البحر في العام 2001 إلى 209.19 م هذا العام، وفي شهر 3/2020 وصلت البحيرة الى ارتفاعات غير مسبوقة وبقي 12 سم فقط عن الامتلاء الكلي وإذا ما تجاوزت المياه هذا الارتفاع سيؤدي ذلك الى غرق مدينة طبرية بالمياه، أوشكت إسرائيل على فتح سد البحيرة لإسالة المياه طوعا إلى نهر الأردن.
وبناء على ما اوضحته ولتحسين المكتسبات للجانب الأردني، فإني أورد الاقتراحات التالية والتي يستطيع المفاوض الأردني وضعها على طاولة المفاوضات وطرح خيارات او اضافات أخرى لضمان أمنه المائي ولتهيئة الرأي العام للقبول بهذه الاتفاقية:
أولا: العمل على وضع مشروع الناقل الوطني والمتضمن انشاء محطة تحلية في العقبة وضخ المياه المحلاة شمالا الى عمان بواقع 300 مليون م3/سنويا ضمن الاتفاق الكلي والموافقة عليه من جميع الأطراف وطلب تمويل إضافي من الجانب الإماراتي والأمريكي، مما يعزز القبول الشعبي لهذا الاتفاق.
ثانيا: نص الاتفاق على انشاء محطة في الأردن خاصة لتزويد اسرائيل بالكهرباء وبتمويل واشراف اماراتي وبالمقابل يجب ان ينص الاتفاق على انشاء محطة تحلية خاصة لتزويد الأردن بالمياه وبتمويل واشراف اماراتي أيضا او بإشراف مشترك من الأطراف على المشروعين، لا ان تقوم إسرائيل بتزويدنا بالمياه من المحطات القائمة والتي سيكون الأردن اخر أولوياتها.
ثالثا: عمل دراسة للنظر في تحلية مياه المتوسط داخل الأراضي الأردنية عن طريق بناء محطة تحلية للمياه المالحة في غور الأردن الشمالي بتمويل اماراتي ونقل مياه البحر المتوسط إليها بواقع 240 مليون م3 سنويا عبر أنابيب يصل طولها الى 50 كم وقطرها 2.5 م بالجريان الانسيابي وبفرق ارتفاع يصل الى 160 م تمتد من شمال دولة إسرائيل المحتلة الى غور الأردن الشمالي ليتم تحلية المياه على الأراضي الأردنية. وقد أجريت بعض الحسابات وتبين بانه، وبعد خصم الطاقة المستهلكة بالأنابيب، وإذا ما تم نقل الماء خلال 300 يوم في السنة وبواقع 8 م3/الثانية فانه يمكن انتاج طاقة كهربائية بواقع 9000 MWh في العام، كما يتم الاستفادة من المياه الراجعة من التحلية بنقلها الى البحر الميت وبواقع 40 مليون م3 سنويا للتخفيف من سرعة جفافه.
رابعا: إنشاء لجنة مشتركة أو إعادة تفعيل اللجنة المشتركة المشكلة ضمن اتفاق وادي عربة لتضم الأردن وإسرائيل والإمارات بالإضافة إلى أمريكا بصفة وسيط ومراقب للإشراف على إدارة المياه في بحيرة طبرية بحيث يضمن الأردن اسالة المياه من البحيرة تحت أي ظرف كان.
خامسا: تحسين شروط التفاوض على مياه حوض نهر الأردن:
أ) إعادة التفاوض على تقسيم المياه في حوض نهر الأردن كاملا (نهر اليرموك ونهر الأردن)، وبموجب اتفاق وادي عربة يحصل الأردن على 50 مليون م3 بالإضافة الى 50 مليون أخرى حال توفرها، وبما أن المياه في نهر الأردن قد توفرت الآن نتيجة التحلية في الجانب الغربي من النهر وبموجب هذه الاتفاقية يجب ان تكون حصة الأردن 100 مليون م3 سنوي.
ب) إعادة تقسيم مياه نهر اليرموك، حيث تحصل إسرائيل بموجب الاتفاقية على حصة ثابتة، 27 مليون م3 سنويا، وتتقاسم الأردن وسوريا ما تبقى من مياه النهر حيث قدرت حصة الأردن في جميع الاتفاقات والخطط السابقة (ومنها ما يسمى بخطة جونستون عام 1955) ب 377 مليون م3 بينما لا تتجاوز حصتنا الفعلية الآن عن 100 مليون، مما الحق الضرر بالأردن واحدث خللا كبيرا في التوازن المائي، وعلى الأردن الطلب، وضمن اعلان النوايا، ان تكون مياه اليرموك حصريا للأردن واضافة 25 مليون م3 لحصتها، واذا ما استطاعت الأردن حصر مياه اليرموك في الجزء السفلي لصالحها فان التفاوض مع سوريا لتقاسم مياه النهر ستجري بجو كبير من الثقة والتعاون سيما ولطالما اعلنت سوريا ان استخدامها الجائر لمياه النهر هو لمنع إسرائيل من الاستفادة مياهه.
سادسا: ان يشمل الاتفاق على عدم تزويد المستوطنات الإسرائيلية بالكهرباء الأردنية التزاماً بالقانون الدولي والذي يعتبر المستوطنات على الأراضي الفلسطينية غير قانونية.
ان ما تم طرحه في وسائل الاعلام حول المياه الجوفية العميقة وقدرته على أن تكفي الأردن لـ 500 عام هو كلام يأتي في السياق العام وبحاجة إلى دراسات هيدرولوجية مركزة لتقدير كمية ونوعية المياه والتي تتغير بشكل كبير حسب الموقع كما جاء في بعض الدراسات السابقة، كما ان ما طُرح من التكلفة المرتفعة للمياه المحلاة في العقبة ( 8 دنانير وارمي نصهم بالبحر) مبالغ به، فقد اجريت بعض الحسابات للمشروع والذي يشتمل على ضخ 300 مليون م3 من المياه المحلاة الى عمان سنويا وبارتفاع 1350 م (950 م+ 400 م ضياع في الطاقة) وبتكلفة رأسمالية 2.5 بليون دينار وعلى مدى 25 عاما حيث بلغت التكلفة المحسوبة حوالي 120 قرش اردني/م3.
ان طرح اعلان النوايا بوضعه الحالي لا يلبي الطموحات ويبدو اقل بكثير مما يمكن كسبة في المفاوضات القادمة والتي علينا التحضير لها جيدا لضمان الأمن المائي للأردن، اخذين بعين الاعتبار الفائض المائي لدولة الاحتلال الإسرائيلي حيث تنتج مياه محلاة من 5 محطات تحلية تصل انتاجيتها الى 750 مليون م3 سنويا وتباشر الان في انشاء 5 محطات تحلية أخرى ليصل الإنتاج الكلي الى 1500 مليون م3 سنويا خلال العشر سنوات القادمة. اما ما نراه الأن في المشهد الأردني فهو أقرب ما يكون الى قول الإعرابي وقد غُزِيت بلاده وسُرقت نياقة ولما عاد الى قومه سألوه ماذا فعلت يا هذا؟ فقال جملة راحت مثلا بين العرب " أوْسَعْتُهم سَبّاً وأوْدَوْا بالإبل ".