من أغرب السرقات التي يتعرض لها المواطن كل يوم عدة مرات دون رقيب ولا حسيب ، ودون أن تتنبه دائرة السير لهذه الظاهرة الخطرة والمؤذية للملتزمين والمحترمين .فتضع لها حدا وتعيد حقوق وقيمة وأهداف الإشارة الضوئية بالذات للسائق المؤدب والملتزم والمتمسك بذوق وأخلاق وأمن الطريق والسير . هي سرقة علنية عينك عينك والسارق جريء وعينه واسعة كما ذمته حين يأكل حق السيارات المتوقفة بنظام .
فهذا السارق يعرف وبسبق الأصرار والتربص والترصد ، يلمح الإشارة التي انفرجت في وجه السائق المحترم ، ثم يسرع متجاوزا سربا طويلا من السيارات التي تنتظر اخضرار الضوء لتتحرك ، يتجاوز هذا السائق حقوق الجميع ويهرع معاكسا للمسرب المقابل ليحشر الصابرين المتوقفين انتظارا للحركة ، فيلحق السائق السارق رتل من السيارات وراءه ليتم فجأة إغلاق المسرب المقابل ، ويبدأ صاحب الحق بالتململ خشية الاصطدام والالتحام مع سرب السارقين الذي ( زرق ودس بوز سيارته من نصف متر وأحرج المركبات الصابرة على دورها ، فيفسح الصابر صاحب الحق مجالا للنفاذ حيث لا جدوى من منعه ، ولا طريقة لردعه سوى التسبب بحادث واحتكاك مع سيارته ، والمؤلم أن هذا السائق المغامر المتجاوز لأصحاب الحق ، يفتح الفراغ الضيق لعدد كبير من السيارات التي تزحف مسرعة وراءه وتدس أنفها وتصارع ثم تفوز وتبقى سيارات الملتزمين تنتظر اخضرار الإشارة لعدة مرات .
يظل الفوز في المباراة لدى السائقين السارقين لحق المحترمين ، وعيونهم تتفنجر بقوة الحرمنة ، وإذا منعته وحاولت تركه يغلق المسرب المقابل فمن المؤكد أنك ارتكبت ضد الجميع خطأ وكنت أنت البريء سببا في حوادث وأزمات تتناسل في بقية المفاصل .
الأغرب أن هذه الظاهرة الجريئة تنتشر على اتساع شوارع وطرقات العاصمة ، والتحديد الخطر والمقلق ، أن تتم علنا وضحيتها الإشارات الضوئية والسائقين المؤدبين والدارسين الحافظين لقانون السير بأمان .
إني أرى أن تقصيرا وغيابا مخيفا لرقباء السير الذين يفترض أن يتم توزيعهم على أكتاف كل مواطن سائق ، أو على رصيف كل إشارة ضوئية رقيب سير وأقترح أن يتم نصب مدفعية موجهة تطلق تحذيرات لمخالفي الأدب والذوق والفن والأخلاق . كانت هذه الصفات مطلوبة وتملأ الوطن شواخص السواقة ( فن وذوق وأخلاق ) ولكن ما يرتكبه هؤلاء المستهترون بحق الواقف على الإشارة هو سلب مسلح بتهديد واضح ومكلف ، يضاف إلى انعدام الذوق والفن والأخلاق أنه معتد آثم وينهب حقوق الناس ووقتهم وأعصابهم ويسرق أمن ونظام البلد ويلتهم حق المسربين المقابل والموازي ، والأسوأ أنه لا يمكن أن يتوب ، فهو يدرب نفسه على إقلاق وطنه ومواطن وطنه ، والأخطر أنه يتناسل وعدوى جريمته مكشوفة دون قبض أو ردع .
فللسارق المعتدي والمرتكب لمخالفة أكل الطريق والنبز أمام مسرب طويل بوقاحة يحتاج إلى مراقبة ووقف قانوني . فلا يمكن أن يستمر هضم حق الملتزمين بتطاول آخرين ضاربين بعرض الطريق قيمة الاحترام والقانون . ويظل المحترم يندب حظه ووقته وأعصابه على الإشارة الضوئية ، يحدث ذلك والمسروق المحترم والملتزم بالوقوف على الإشارة لا حول له ولا قدرة .
ويستهلك المحترم دقائق تطول ولا تنتهي وهو متسمر في سيارته فتفاجئه سيارة يرجو الله أن يرسل له من غامض علم الله رقيبا وحسيبا.
(الدستور)