الزلزال الوبائي .. تلقي المطعوم بين الضرورة والحرية
د. كميل موسى فرام
22-12-2021 11:48 PM
الزلزال الوبائي الذي يجتاح قارات العالم ويخلط تضاريسه وأبجدياته دون اعتبارات، يفرض علينا اليوم أن نقرر سياسة واضحة للتعامل مع هذا الوباء تعتمد على فطنتنا وحرصنا وذكائنا، بعيدا عن التحديات التي نمارسها أو تبني نظرية المؤامرة التي احتلت مساحة شاسعة من جهودنا ومقدراتنا، أو التبرير بالإخفاقات الرسمية المتتالية للتعامل مع هذا الوباء التي تعتمد على ضبايبة وفقر مدقع بالخطاب العلمي، وتبعثر غير مبرر بالتصريحات التي يطلقها أصحاب القرار، دون مرجعية أو توحيد، واقع مؤسف يزيد من صعوبة البركان وارتداداته، خصوصا بوجود مجاملات لإنجازات وهمية، ويقيني أن إدارة الملف الصحي غير موفقة أبداً، فالمسير بهذا اللغط الإعلامي، هو تحدٍ ضمن سراديب الوهم والتهم والتقصير والتبرير الجاهز بالوصف، إضافة لأسف الطعن الممزوج بالمجاملات التي صهرت أمانينا بين متسلقي الكراسي ومالكيها، واقع الحال اليوم المؤسف والمبكي، وينذر بخطر قد يداهمنا، ففترة التحمية والمقدمة للحن التعامل مع الوباء قد انتهت، بعد أن بشرنا البعض بجفاف الفيروس والقضاء عليه خلال اسبوعين، لينقلنا على الخطوة من سلم الأماني بكلام معسول وممزوج بدغدغة العواطف شمل البشرية جمعاء، لنجد أنفسنا اليوم بحصار صحي واقتصادي ومالي، ناهيك عن الكارثة التعليمية التي اصابت جيل الطلبة على مقاعد الدراسة بمختلف مستوياتها، ونحن نراهن بنجاح التعلم عن بعد ضمن استطلاعات مبرمجة النتائج، لتخدير أمانينا بعد أن بشرنا أصحاب القرار بتجانس الجهود والنتائج لنكون في المقدمة بالشفاء، ولكن الواقع المؤسف المبكي اليوم، أننا في المقدمة بعد الحالات اليومية المستجدة ونسبة الوفيات، ويحاول مبرمجو التبرير بتحميل المواطن المسؤولية؛ فالتهديد والعقوبات والممنوعات وأشباهها سيوف تسلط على الرقاب.
لن أكرر المناقشة والحديث عن اسباب الإخفاق، وأرى من أدبيات المسؤولية، بضرورة المبادرة الذاتية بجرأة الابتعاد عن المشهد الصحي، لأن الهزائم المتتالية دون تسجيل نقطة نجاح واحدة على أرض الواقع، جعلتنا نشكك بكل تصريح أو معلومة، وربما القنبلة الأخيرة بوجود أشخاص حصلوا على شهادات تطعيم دون تلقي المطعوم، سبب كاف لإبعاد المسؤولين وأعضاء اللجان المشكلة لتجميد صلاحياتهم في هذه المرحلة المصيرية من حياة الوطن، فنحن بحاجة للمحافظة على الأردن القوي المستقر، الذي يخوض حروبا بأشكال متعددة لتحجيم دوره الإقليمي والدولي، عنوان يلزمنا بالمحافظة على أبجديات الاستقرار المتمثلة بأنموذجية الملف الصحي والتعليمي والغذائي والمائي والأمني؛ وحدة واحدة متكاملة، يمنع العبث بحقائقها واستحقاقاتها، بحذر مزدوج لعدم اختراق دفاعاتها، حتى لو تطوع البعض لتسجيل مواقف وطنية بصبغتها الإعلامية، وربما التطور والتحديث بوسائل التواصل الاجتماعي قد جعل من الذاكرة، حضورا فوريا لمن فقد بوصلة التاريخ بين عواصف الوهم وحب الذات.
الواقع اليوم لا يسمح لأي كان بممارسة حريته بتلقي المطعوم ضد الوباء المتفشي، فالحرية المؤذية للآخرين، تفقد صلاحيتها وتنتهي أبجدياتها عندما تتسبب بنشر المرض والأذى وزيادة الضغط على المنظومة الصحية وإرهاق منتسبيها من الجيش الأبيض؛ ولادة المطعوم لواقع كان الحلم الذي راود كل منا ببداية فصول المرض، توفر المطعوم المجاني لجميع القاطنين على الأرض الأردنية، كان رؤية تجسدت بجهود ملكية خالصة، والحملة الإعلامية للمبادرة بتلقي المطعوم عبر المراكز المنتشرة بتيسيرات غير محددة الوقت أو الزمن حصلت على العلامة الكاملة، هناك إقبال يُحترم، ونسبة المتلقين لجرعات المطعوم الثلاث غير كافية أبدا، بسبب إصرار البعض على الممانعة ورفض النصيحة لأسباب تعدت البعد الشخصي، فطعنت بحريتها البُعد الوطني، واقع يفرض إلزامية التطعيم دون الاستماع والاستمتاع لمبررات الرفض أو ثغراته، فنحن ندرك بقدرة الجميع على إحضار الوثائق بمسميات الواسطة والمحسوبية وتوصيات الشأن، فتشكيل اللجان الصحية بأفراد الأشخاص السرية، هو نفق آخر لنخر البنيان، وأرى أن من يوجد لديه سبب صحي مبرر بعدم تلقي المطعوم، بضرورة التزامه بمنزله بصورة مطلقة، ويمنع عليه الخروج من المنزل وأي من أفراد عائلته، لأنه مصدر خطير لنقل العدوى دون أن يدرك، فمعظم الإصابات الجديدة وإدخالات المستشفيات والوفيات الناجمة عن الوباء؛ المحلية منها والدولية، هي لأشخاص رفضوا تلقي المطعوم، وقامروا بحياتهم وحياة الآخرين.
ليس لنا ذنب أبداً أن نُسكن الخوف والأسر بداخلنا، وليس لنا ذنب بإجراء الفحوصات المخبرية اليومية أو الأسبوعية أو الفصلية لمناسبات كشرط لدخول الأماكن والمؤسسات أو المشاركة بالمناسبات التي حرمنا منها، بعد تلقينا جرعات المطعوم وسماع النصيحة الطبية، وليس لنا ذنب أبدا بزيادة نسبة الحاصلين أو القادرين على إقتناء شهادات التطعيم المزورة، كمبرر للعقوبات الجماعية، فالسجن المنزلي هو العقوبة الأنسب لأصحاب نظريات المؤامرة أو الرفض غير المبرر، والاعتماد على التهديد بالعقوبات والغرامات والبالونات الإعلامية، سوف ينفجر ويسكننا الهاوية بدموع الندم والأسف التي لن تشفع أو تفيد، وللحديث بقية.
(الرأي)