السؤال المطروح اليوم على الساحة الوطنية هو هل لدينا نخب سياسية وسط هذا الاحتدام والفوضى الحاصلين في المجتمع الأردني؟ للأسف الأردن لا يملك نخبا سياسية بالمعنى الحرفي للكلمة، لأنه يفتقر لحياة حزبية حقيقية، فالأحزاب إن وجدت هي وحدها القادرة على إنتاج هذه النخب السياسية التي تستطيع أن تتنافس على السلطة من خلال برامج واقعية تخاطب مصلحة البلاد، وتجتمع غالبية الناس حولها.
مصطلح النخب السياسية في الأردن أطلق مجازا على الذين يعملون في المناصب السياسية عن طريق التعيين، فليس كل من يظن أنه يمارس السياسة من خلال صالون سياسي أو أصبح وزيرا بالصدفة بات نخبة سياسية. نحن للأسف في الأردن دائما نطلق مفهوما غير حقيقي على الأشياء، ونعتبره مع الأيام ثابتا نتعامل معه.
كما قلت ليس لدينا أحزابا حقيقية لتنتج نخبا سياسية فعالة تكون مخرجات صناديق اقتراع حقيقية تفرض أجندتها الوطنية على الخارطة الوطنية، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحتى اجتماعيا. نحن ما زلنا بعيدين تماما عن هذا المفهوم؛ حيث أننا حتى اليوم لا نملك قرارا حقيقيا بالمضي نحو حياة حزبية حقيقية يكون قوامها برامج حقيقية واقعية قابلة للتطبيق إذا وصل أي حزب للسلطة، وهنا أشير إلى ضرورة أن يكون في الأردن حزبين أو ثلاثة على الأكثر، وليس خمسون حزبا لا تملك برامج ولا قواعد ووجودها لا يسمن ولا يغني عن ديمقراطية وحزبية حقيقية.
الدرس الحقيقي في الديمقراطية يجب أن نأخذه من الديمقراطيات العريقة في أوروبا وأميركا وغيرهما من الدول الديمقراطية، لنتعلم منهم درس الديمقراطية الأول حيث يتنافس على السلطة حزبين فقط يضمان معظم النخب السياسية في تلك الدولة، كما أنه يجب أن يكون لدينا تشريعات ثابتة وراسخة وليس كما هو الواقع حيث كل دورة انتخابية نشرع لها قانون انتخاب جديد، حتى البلديات لم تسلم من هذا العبث، إذ أصبحنا نرى في كل دورة انتخابية لها قانونا جديدا، وهذا كله ينعكس على واقع الممارسة الشعبية في الأردن التي صموا آذاننا بالحديث عنها دون فائدة أو واقع ملموس.
لن يكون لدينا نخب سياسية حقيقية ما دامت الحياة الحزبية متعسرة الولادة، هذا إذا كان الحمل بالأصل حقيقيا "يبشروننا بهذه الولادة بعد عشر سنوات !! "، ولكن مع هذا الواقع المرتبك لا تخلو الساحة الأردنية من وجود شخصيات سياسية مرموقة تحمل فكرا سياسيا واضحا ومحترما مارست العمل السياسي ووصلت الدوار الرابع بجدارة ونجحت بإدارة شؤون البلاد في عهد المملكة الرابعة، ولكن للأسف، إن عدد هذه الشخصيات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
وبالإشارة إلى مخرجات لجنة تحديث قوانين المنظومة السياسية مع احترامنا للجهد الذي بذلته اللجنة لتنفيذ التوجيهات الملكية، استوقفتني كما استوقفت معظم الأردنيين المادة التي جاءت في التعديلات الدستورية في خضم ادعائنا أننا نسير باتجاه الحكومات البرلمانية من خلال الأحزاب، أن يتم منع النائب من أن يكون وزيرا، ولا نعرف من أي مطبخ هبط هذا التعديل على اللجنة.
يجب أن تكون دائرة القرار واضحة مع الناس، هل تريد ديمقراطية حقيقية تشرع الأبواب للعمل السياسي الحر حتى تخرج البلاد من هذا المنعطف الذي مضى على وجودنا فيه سنوات طويلة، أم تريد أن تبقى الأمور على ما هي عليه من ديمقراطية الديكور التي بات وجودها مثار قلق للأردنيين على مستقبلهم؟