إيران وإسرائيل: هل المواجهة واردة؟
د.أحمد بطاح
22-12-2021 10:41 AM
لا يكاد يمر أسبوع لا نسمع فيه تصريحات من الجانبين الإيراني والإسرائيلي عن احتمالية المواجهة بينهما بسبب البرنامج النووي الإيراني، فقبل أسبوعين تقريباً زار وزير الدفاع الإسرائيلي "غانتس" واشنطن واجتمع مع نظيره الأمريكي "أوستن" وقد سربت وسائل الإعلام بعد هذا الاجتماع أنّ إسرائيل حصلت على "عدم ممانعة" أمريكية تتيح لإسرائيل أن تقوم بضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، وبالأمس صرح قائد الإدارة المركزية في الجيش الإيراني بأن إيران سوف تضرب جميع مصادر النيران الإسرائيلية من مطارات، ومسارات كما سبقه مسؤولون إيرانيون آخرون صرحوا بأنّ إسرائيل سوف تزول ككيان إذا تجرأت وضربت إيران.
ولكن هل هذا ممكن؟ هل تستطيع إسرائيل أن تضرب بنجاح مقرات البرنامج النووي الإيراني؟ ومن جهة أخرى هل تستطيع إيران تدمير إسرائيل ومحوها من الوجود كما زعمت مراراً؟ الواقع هو أن إسرائيل لا تستطيع أن تقوم بضربة قاضية للبرنامج النووي الإيراني لأسباب عديده أهمها:
1. أن مقرات هذا البرنامج محصّنة وفي أماكن متعددة بحيث لا تستطيع إسرائيل أن تأتي عليها جميعاً وبالتالي فان الضربة - حتى لو حصلت - لن تكون ساحقة.
2. أنّ إسرائيل لا تملك القدرات اللوجستية اللازمة لضرب منشآت البرنامج النووي الإيراني بدون مساعدة الولايات المتحدة الأمر الذي يعني أن قرار الضرب هو في الواقع أمريكي وليس إسرائيلياً فقط.
3. أنّ إدارة "بايدن" لا تحبذ أسلوب "الضربة العسكرية" لإنهاء البرنامج النووي الإيراني لما ينطوي عليه من مخاطر وتبعات وهي تفضل الوصول إلى حل سياسي على غرار الاتفاق السابق (2015) أو ما هو قريب منه، وعلى هذا الأساس فإننا يمكن أن نفهم أن التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل هي نوع من الضغوط على المفاوضين في فينا للوصول إلى أفضل شروط ممكنة لكلا الطرفين.
4. أن اللحظة التاريخية المناسبة لضرب المشروع النووي الإيراني من قبل إسرائيل كانت في فترة حكم "ترامب" الذي تبنى السياسات الإسرائيلية بشكل كامل وقدم لإسرائيل خدمات غير مسبوقة، فلماذا لم تتخذ إسرائيل قرار الضربة في تلك الفترة لو كان ممكناً؟.
5. أن إسرائيل إذا قامت بالضربة فإن من المؤكد أنها سوف تتلقى رداً إيرانياَ قوياً حيث تملك ايران صواريخ بالستية تستطيع أن تضرب العمق الإسرائيلي، وهنا يجب أن نتذكر أن إسرائيل دوله صغيرة المساحة (26 الف كيلو متر مربع في حين أنّ مساحه إيران تبلغ ثلاثة أرباع مليون كيلومتر مربع)، والواقع أن إسرائيل إذا ضربت فعلاً فإنها يجب أن تتوقع ضربات مقابلة من قوى أخرى مناصرة لإيران وبالذات من حزب الله اللبناني الذي يتوفر باعتراف الإسرائيليين على قدرات صاروخية كبيرة يمكن أن تُلحق أذى حقيقياً بإسرائيل ناهيك عن حماس التي يمكن أن تنتهز مثل هذه الفرصة وتمارس ضغطاً عسكرياً ذا أهمية على إسرائيل.
6. أن إسرائيل دوله نووية (لديها ما يزيد عن 200 رأس نووي) حسب الخبراء وبالتالي فإنها لا تخشى إيران حتى لو أصبحت دولة نووية، "فتوازن الرعب" قائم بينهما، ولكن الحقيقة هي أن إسرائيل تريد أن تظل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك السلاح النووي، وبالتالي تتفرد بإمكانية الهيمنة عليها، وما تدعيه إسرائيل من أن السلاح النووي الإيراني إذا امتلكته إيران فعلاً هو خطر وجودي عليها غير صحيح لأنها ببساطه تمتلك مثل هذا السلاح وتستطيع أن ترد بالمثل إذا تعرضت للهجوم.
وبالمقابل ... هل تستطيع إيران تدمير إسرائيل فعلاً إذا هاجمتها؟ والجواب هو لا فإسرائيل كما أشرنا أنفاً تستطيع أن ترد بالسلاح النووي الذي تملكه فعلاً إذا شعرت بخطر حقيقي على وجودها وبالتالي تلحق دماراً هائلاً في إيران. إن التحليل السابق يتيح لنا أن نستنتج أن إيران لن تهاجم (وهي تقول دائماً أنها لن تهاجم أية دولة ولكنها سوف تدافع عن نفسها إذا هُوجمت)، ولكنها حتى لو ردت على هجوم إسرائيلي فإن ذلك لن يصل إلى درجة تدمير إسرائيل كلياً.
وفي المحصلة فإن التهديدات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة ليست حقيقية، وهي في الواقع ليست أكثر من ضغوط سياسية لتحسين شروط الصفقة التي ستُعقد في فينا، وهذا ليس غريباً على عالم المفاوضات فكل طرف يحاول اللعب بأفضل أوراق لديه وصولاً إلى أفضل حل يناسبه.