العفوية الحارة والواقعية الحادة
عامر طهبوب
22-12-2021 12:08 AM
يعد «داغستان بلدي» للكاتب رسول حمزاتوف، واحداً من الكتب التي لم أجد لها تصنيفاً واضحاً من بين صنوف الكتابة، وربما ينطبق الأمر على كتاب «الحزام» للكاتب السعودي أحمد أبو دهمان، لكن «حكايتي - من الكسارة إلى الوزارة» للأخ الصديق الأستاذ محمد داودية، هو أول كتاب يصدر - قريباً - عن سياسي أردني، تتوه في تصنيفه، كما تتوه في تصنيف شخص صاحبه، هل تضعه مع السياسيين، حيث تقلد ثلاث حقائب وزارية وسفيرا في ثلاث قارات؟ أم مع الكتاب الصحفيين والإعلاميين، وقد عمل مدير إعلام الملك الحسين. وهو الآن رئيس مجلس إدارة صحيفة الدستور.
هل يندرج «حكايتي» مع الأدب السياسي، أم هو سيرة روائية، وهل هو سلسلة روايات محكية، أم مذكرات سياسية. الحكاية رواية هنا، وهي طويلة ومشوقة وشاقة، حكاية كل مكافح عنيد، تعلّق بالإنساني، وبأرواح بشرية جميلة حضرت أم غابت.
أشعل داودية في حياته شموعاً، أطفأ حرائق، قرع أبواب بيوت كرام الناس في معشوقته «المفرق» صغيراً، ليصطحب أصدقاءه لأداء صلاة الفجر، لكنه لم يتردد في زيارة الكنائس. عانق بيادر الصيف، تذوق طعم مرارة الفقر، لكنه لم يعرف الحاجة، عاش اليتم، لكنه لم يكن وحيداً، ونام في وادي اليتم. قاوم العزلة، حارب الوحشة، ألِفَ الحياة بين العسكر، عشق الناس. انخرط في العمل السري وحمل رسائل بالحبر السري، وتعلق بالوطن بحبل سري، أضاء على العاشق الشافعي القادم من أعماق مؤاب، أحب «الرويشد»، عشق الطفيلة وعمان ومعان والكرك وإربد والسلط، وكل ذرة من تراب الوطن، وترك قلبه معلقاً على «الشريعة»، عين على شرقي النهر، وعين على غربيه، وحين رزق بابنته عدن، كتب مقالة ختمها بقوله: «اذهبي يا بنية، فأنت فلسطينية».
عمل «أبو عمر» في كسارة بأجرة نصف دينار في اليوم، وقّر الكبار، وترفّع عن مخاصمة الصغار، ظل قلبه مفتوحاً للحياة رغم كثرة المصاعب، واشتداد الأنواء، تلقّى مكافأة لم أسمع مثلها من قبل في حياتي: مكافأة «رفع الكُلفة» مع فتاة، نظير كتابة رسالة غرامية. أي حس ساخر ساحر هذا.
وقرّ داودية المرأة منذ صغره، منذ أحب أمّه جظّة، ومرضعاته الأربع، كما أحب وطنه، وكما أحب سورة «والضحى والليل إذا سجى».
هذا كتاب العفوية الحارة والواقعية الحادة، يكفي أن نعرف أن كاتبه، أول سياسي أردني يصف مشقة عمله في الكسارة، وكيف يجب على الرجل أن يظل في علاقته بوطنه، طاهراً مطهّراً.
(الدستور)