إن القطرة الأولى من الغيث هو ما سمعته صباح هذا اليوم على إحدى الاذاعات المحليّة من مواطن متعثر يشكو لمقدم البرنامج أن موظفة في إحدى شركات التمويل والتي يدين لها بقرض لم يسدد أقساطه منذ فترة، أن هذه الموظفة تلاحقه وتطالب بالدفعات المستحقة في بيته وبيت حماته وتهدده بالذهاب إلى أخوته أيضا.
إن ما تقوم به هذه الموظفة غير مهنيّ وغير قانونيّ، ولا خلاف في ذلك، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما الذي أوصل شركة التمويل إلى الطلب من هذه الموظفة التحصيل بهذه الطريقة دون اللجوء إلى البروتوكول السليم في التحصيل أو حتى الطلب من هذه الموظفة التحصيل مقابل عمولة على المبالغ المحصلة كدافع لها لمحاولة التحصيل بأي وسيلة ممكنة دون التقيّد.. وحتى نستطيع الاجابة عليه لا بدّ لنا من العودة إلى الفترة الزمنيّة ما قبل الكورونا (لعنة اللـه على الكورونا) حيث كان الدائن يلجأ وبعد القيام بإتخاذ الإجراءات القانونيّة والقضائية من خلال أحكام المحاكـم وطرحها بالتنفيذ أو طرح السندات مباشرة بالتنفيذ إلى طلب حبس المدين وفق الأصول وأحكام القانون، حيث يتم إخطار المدين بضرورة تسديد الدين خلال المدة القانونية البالغة (15) يومًا من اليوم الذي يلي تاريخ التبليغ، فإذا مضت المدة ولم يقم المدين بتسديد المبلغ أو دفع الربع القانوني وعرض التسوية، يحق للدائن حينها اللجوء إلى طلب حبس المدين، هذا طبعا في حال عدم وجود أموال للمدين يلجأ الدائن إلى طلب الحجز عليها وبيعها بالمزاد لتحصيل دينه، أما بعد كورونا وصدور أحكام أوامر الدفاع التي تتضمنت إرجاء حبس المدين إلى ما بعد الانتهاء من الجائحة والاكتفاء بمنعه من السفر حفاظا على حق الدائن في قيم الدين التي تقل عن (100000) دينارًا، أصبح من الصعب لا بل من المستحيل للدائن تحصيل دينه بالاكتفاء بمنع السفر، ومن هنا أصبح الدائن يبحث عن أساليب وطرق أخرى لتحصيل الدين، وفي حال جرى تعديل أحكام قانون التنفيذ بحيث أصبح هناك قيود إضافية على حبس المدين حتى بعد إنتهاء أحكام أوامر الدفاع، سيفتح المجال ويتيح الفرصة لأشخاص ما لعرض تحصيل الديون على الدائنين بأساليب وطرق مبتكـرة.
في رأيي المتواضع، وإن رأت الجهات المعنيّة من سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية بأنه من الصالح العام عدم حبس المدين أو فرض قيود إضافية على حبس المدين، وحتى رفع الحماية الجزائية عن الشيك، كلّ ذلك لا يكون تنفيذه بين ليلة وضحاها، فالمنطق أن يكون تنفيذه على فرض سريانه بخطة طويلة أو متوسطة الأجل، مثلا بعد خمس سنوات، وأن يرتبط ذلك بحماية مصلحة الدائن، بإبتكار وسائل ضغط على المدين الذي يرفض السداد وفق أصول وأحكام، وبرأيي أيضا أن يكون هناك تفرقة موضوعية بين المدين الذي تكـرر تخلفه عن سداد ديونه والمدين نظيف السجل، وبين المستأجر الذي يتنقل من عقار إلى عقار تهربا من دفع الايجارة والمستأجر الذي اعتاد على دفع الايجار أولا بأول وتخلف هذه المرة عن ذلك، طبعا كل هذا يتطلب قاعدة بيانات مبنية بشكل دقيق، وأن يكون لقاضي التنفيذ أحقية الولوج اليها قبل إتخاذ القرار المناسب.
يطول الحديث ولكل قصة جانبان، لكن المهم والأهم وله الأولوية أن لا يصل تحصيل الديون إلى حدٍ لا يُـحمد عقباه، واللـه من وراء القصد.