محاسن التوظيف في بدائل التوقيف "دراسة تحليلية"
المحامي ليث الصاروم
20-12-2021 03:14 PM
نص المشرع الاردني في المادة 114 من قانون اصول المحاكامت الجزائية على ان التوقيف المانع للحرية هو تدبير استثنائي من شأنه المحافظة على المعالم المادية للجرية وادلة الاثبات او وضع حد لمفعول الجريمة او تجنب ممارسة الاكراه على الشهود من قبل المشتكى عليه نفسه ووضع هذا التدبير لحماية المشتكى عليه نفسه ووضع اطار لتجنيب النظام العام أي خلل نانج عن الجريمة .
وقد وجدت اجراءات تستهدف حماية النظام العام من حيث ان المدعي العام له كافة الصلاحيات من حيث توقيف المشتكى عليه وتمديد توقيفه واستمرار توقيفه واسترداد مذكرة توقيفه وقد تم تحديد مدد التوقيف تبعاً لنوع الجريمة المرتكبة .
ومع تعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية وما لحقه من مواكبة للتطورات نلاحظ ان المشرع الاردني قد وضع المعاهدات والاتفاقيات الدولية في سلم الاولويات القانونية التي تستهدف ضمان الحرية الشخصية ومبدأ المحاكمة العادلة ووضع ضوابط وحدود تنظم التوقيف والحد من استمراره بسقف زمني محدد سواء في القضايا الجنحوية او الجنائية والمدة المعينه لابطال مفعول التوقيف وهذا افصاح من المشرع الاردني لمدى خطورة التوقيف على المشتكى عليه وقساوته وتمسكه بضوابط تمنع الضغط على المشتكى عليه واستغلال هذا الاجراء لغايات عمل تسويات في الدعاوى التي على الاغلب تكون بالاصل غير جزائية .
ووجد المشرع الأردني كالعديد من المشرعين في معظم الدول التي يسود فيها القانون أن هذه الضوابط لم تعد كافية لتجنيب الفرد (المشتكى عليه) مساوئ التوقيف وما يترتب عليه من ضرر بالرغم من موجباته فأخذ بما سبقته إليه التشريعات المقارنة واستحدث بالتالي ما سمي بالتدابير البديلة للتوقيف ونص عليها في المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وهي:
1- الرقابة الإلكترونية
2-المنع من السفر
3- الإقامة في المنزل أو المنطقة الجغرافية للمدة التي يحددها المدعي العام أو المحكمة وتكليف الشرطة بالتثبت من ذلك
4- إيداع مبلغ مالي أو تقديم كفالة عدلية يعين المدعي العام أو المحكمة مقدار كل منها
5- حظر ارتياد المشتكى عليه أماكن محددة.
ويتبادر الى الذهن السؤال التالي :هل يجوز ان تكون بدائل التوقيف أشد وطأة من التوقيف ذاته... ؟
اجاب قرار محكمة التمييز الجزائية بهيئتها العامة رقم 3632/2019على هذا السؤال فيما يلي :" نصت الفقرة (ج) من المادة (114/مكررة ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه فيما خلا ما ورد من أحكام خاصة في الحالتين (أ ، ب) من المادة (114/مكررة ) يسري على التدابير ما يسري على التوقيف من أحكام وطرق طعن ورد النص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية، وإن الإجراءات سواء الأصلية أو البديلة الواردة في النصين (114 و114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنقسم من حيث طبيعتها إلى إجراء مانع للحرية (التوقيف) وإجراء مقيد للحرية (المنع من السفر والإقامة في المنزل والمنطقة الجغرافية المحددة وحظر ارتياد أماكن محددة والرقابة الإلكترونية) وإجراء ضمان الحضور وقت الطلب (الكفالة العدلية والإيداع النقدي) ، وهي إجراءات أوجدها المشرع لغايات حسن سير إجراءات التحقيق بشكل سليم دون عوائق وهذا بدوره ينسحب أيضاً على مرحلة المحاكمة فإن توفرت لدى المدعي العام القناعة بأن إجراءات التحقيق تسير على أكمل وجه ودون معوقات فإنه من المفترض به عدم اللجوء إلى التوقيف أو التدابير البديلة أما إذا تحققت القناعة لدى المدعي العام أن أسباب التوقيف متوفرة ولكنه لا يرغب باللجوء إلى التوقيف لما هو معروف عنه من آثار قاسية على المشتكى عليه فإنه يستعيض عنه باللجوء إلى التدابير البديلة بمعنى أنه يلجأ للتدبير البديل ابتداءً وفي هذه الحالة إذا كان التدبير الذي لجأ إليه المدعي العام هو من التدابير المقيدة للحرية فإنه بحكم المنطق يأخذ حكــــم التوقيف من حيث بداية المدد ونهايتها إذ لا يعقل أن يكون الإجراء البديل المقيد للحرية أشد وطأة على المشتكى عليه من الإجراء الأصلي (التوقيف) المانع للحرية أما إذا لجأ المدعي العام ابتداءً إلى التدابير البديلة التي تعتبر إجراءات ضمان الحضور وقت الطلب (الكفالة العدلية والإيداع النقدي) فلكونها إجراءات لا تمس الحرية والحضور قد يكون مطلوباً في أية مرحلة من مرحلتي التحقيق والمحاكمة فإنه بحكم العقل والمنطق لا بد أن تنتهي هذه التدابير بانتهاء الدعوى ولا تنسحب عليها مدد التوقيف والتدابير المقيدة للحرية سابقة الإشارة ، كما أن المشرع في نص المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد منح المدعي العام أو المحكمة استبدال تدبير بآخر إذا طلب المشتكى عليه ذلك أما إذا طلب إنهاء التدبير المقيد للحرية فإنه لا يوجد ما يمنع من استبدال التدبير المقيد للحرية بالكفالة أو الإيداع المالي المناسب شريطة عدم التعسف بالرغم من أن الطلب وارد من المشتكى عليه لإنهاء التدبير ، وعليه فإن قرار المدعي العام باستبدال قرار منع السفر بحق المشتكى عليه بكفالة عدلية بقيمة خمسة ملايين دينار فيه مغالاة واضحة جعلت تدبير منع السفر أقل وطأة عليه من تقديم تلك الكفالة وبذلك يكون المدعي العام قد خالف الغاية التي ابتغاها المشرع من التدابير البديلة للتوقيف الواردة في المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وتكون محكمة البداية بصفتها الاستئنافية بقرارها الصادر بالأكثرية قد أصابت بإنهاء منع السفر بحق المشتكى عليه من حيث النتيجة" .
* باحث دكتوراة جامعة المنصورة .