تابعت كلمة رئيس الوزراء في جلسة مجلسة النواب المخصصة لمناقشة اتفاقية إعلان النوايا بين الأردن، ودولة الإمارات، وإسرائيل، وهو يتحدث عن الفقر المائي، وحاجة الأردن الملحة والآنية إلى المياه، وأن المواطن سيعيش عطشاً حقيقياً أمام كل تأخير لمثل هذه المشاريع التي توفر المياه، وتؤمن مستقبل أجيالنا، والكلام لم يعجبني، ولم يعجبني أن الحكومة تضع المواطن ونواب الأمة في «خانة اليك»، إما أن تقبل العطش، أو توافق على الاتفاقية، ليس هناك معنى لهكذا خطاب، سوى هذا الاستنتاج، لا حديث عن بدائل، وإنما عن محاولات حثيثة لم تجلب الأمل بالوصول إلى الأمن المائي بما في ذلك السدود، ومشاريع التحلية، والآبار وغير ذلك.
وتابعت كلمة وزير المياه التي قال فيها إن الأردن من أفقر دول العالم في المياه، وأن لديه عجزاً يبلغ 60 مليون متراً مكعباً، وشاهدت منحنى بيانياً عرضه الوزير، يشير إلى انحدار في المتوالية منذ عام 1969 وحتى الآن، في مقاربة بين تزايد عدد السكان، ومداخيل البلاد من المياه، بما فيها مياه الأمطار. وذكر الوزير أن حاجتنا تصل إلى مليار متر مكعب من المياه، 510 ملايين منها لأغراض الشرب، والكلام لم يعجبني، وإن صدقت الأرقام. فهل يعقل أننا منذ عام 1969 وحتى الآن، نرقب زخات المطر، ونزول هذا المنحنى البياني دون أن نرفع راية الخطر، ودون أي استشعار يؤدي إلى معالجات على مدى سنين ماضية.
وسمعت مداخلات النواب، كل المداخلات التي تتحدث عن «قتلة الأنبياء»، و»الكيان الهجين»، و»إسرائيل شركة»، و»لن ترضى عنك اليهود»، ومطالبة بتحويل القضية لمفتي البلاد. سمعت صراخاً، وانفعالاً، وأبيات شعر من بينها: لا تسقني كأس الحياة بذلّة، بل فاسقني بالعز كأس الحنظل»، وسمعت من يتحدث عن «الصوص العربي»، و»الديك اليهودي» وعدم قدرتنا على المواجهة، لكني لم أسمع خطاباً عقلانياً موضوعياً علمياً متزناً أو متوازناً، إلا من رحم ربي، ولم أجد من بين كل المتحدثين من قدم مقترحاً مكتوباً، كبديل للخروج من الأزمة إلا نائباً واحداً قدم مقترحاً من 11 نقطة.
وفي يوم لاحق قرأت كلمة الرئيس عبد الكريم الكباريتي في حفل توقيع مذكرات الدكتور الجليل يوسف القسوس، والتي تكشف عن أن الكباريتي، لا شيء يعجبه، فالذي يرى أن وطنه هائم على وجهه بلا بوصلة ولا طريق، لا شيء بالضرورة يعجبه، وإلا لماذا عبر عن تمنياته بطرد عتمة تسربت إلى قلوبنا، وعن ليل طويل، وعن اختلالات مالية ومائية، وعن معاناة تقهقرية من انقطاع التيار المتّصل المتدفق، بما جهدت به الأجيال المتعاقبة في العمل على بناء الوطن.
وأخيراً قرأت كلمة الرئيس طاهر المصري في جلسة نظمها مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإعلامية، طالب فيها بإنتاج سردية تاريخية وثقافية، عصرية ومتسامحة، تعيد تعريف الذات الأردنية مجتمعاً ودولة، ولا أقول أن لا شيء يعجبه، فهذا لا يتفق مع طبيعة رجل علمته الحياة والاشتغال بالدبلوماسية، الكثير من الكياسة، أقول هناك ما لا يعجبه، وأبرزه أن المصلحة الوطنية العليا، كانت تقتضي التوقف عند حدود ما بني في اتفاقات السلام، وانتظار الخطوات الإسرائيلية المقبلة، وأن ما نمر به من أزمات، وما يصحبها من معضلات، ما هي إلا انعكاسات لخطط تستهدف الأردن مباشرة لتهيئة الظروف لتمرير المخطط الإسرائيلي بطرد الفلسطينيين، وترحيلهم للأردن باعتباره وطناً بديلاً، وإظهار أن الأردن دولة فقيرة، وأن الحل لكل مشاكله، هو إعادة تشكيله كدولة بديلة للفلسطينيين. وأقول أن هذا الكلام جد خطير.
يبدو أن العديد من رؤساء الوزراء السابقين، ومنهم الرئيس عبد الرؤوف الروابدة، لا يعجبهم الحال كله، بمن فيهم رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية، الرئيس سمير الرفاعي، وإلا لما كتب على وسائل التواصل عبارة: «في الفم ماء»، وهل ينطق من في فيه ماءُ !
ويبدو أن من الحكمة اللجوء إلى حكمة الكبار. والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم، وعدم تسييس مقاصدهم، وإنما تقديرها، والنور هو نتيجة اصطدام أفكار .
الدستور