نحو بناء سردية وطنية لتاريخ فلسطين والمنطقة
حسين دعسة
19-12-2021 06:27 PM
أكثر من دهشة رافقت الحكاية، وهي غير كل الحكايات، إنها عن بلد وأرض ووطن وقوى شعبية تناضل وتجاهد نحو التحرير من ربق الاستعمار والاحتيال.
البلد، الأرض، والوطن فلسطين المحتلة.
.. أما جماليات الدهشة فتجسدت حول موضوع مؤتمر علمي، أكاديمي، أقيم في العاصمة الأردنية عمان بتنظيم وزارة الثقافة الفلسطينية بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية، وحمل المؤتمر عن أنا مختلف، صادمًا، يثير الجدل: "توجهات جديدة".
.. الحدث، افتتح وسط حضور ورعاية خاصة، إذ قام وزيرا الثقافة الأردنية هيفاء النجار، والثقافة الفلسطينية الروائي الدكتور عاطف أبوسيف، بلفت الانتباه، والجمهور إلى أعمال المؤتمر، بما فيه من نظرة جديدة في فهم مجريات التاريخ الحضاري والبشري والاجتماعي وذلك في إطار المنطقة، وتأثير فلسطين المحتلة على التاريخ الحديث والمعاصر، بما في ذلك الأزمات والحروب السياسية والعسكرية بين دولة الاحتلال اليهودي الصهيوني، وفلسطين العربية.
إنها فسحة لتعيين منهج مختلف لتناول "توجهات جديدة نحو بناء سردية (....)، تقوم على الأبعاد الوطنية والعلمية المتوارثة والمؤكدة لتاريخ فلسطين، كل فلسطين بما في ذلك البلدان المجاورة لأرض فلسطين. والمنطقة والشرق الأوسط عموًما.
الوزيرة الأردنية هيفاء النجار، حال السردية الفلسطينية في الضمير الأردني والعربي وقالت: "لم نكن في يوم من الأيام أحوج ما نكون فيه كهذه الأيام للسردية الوطنية الفلسطينية، التي تم اختطافها كما هي الأرض وتم تشويهها وإعادة كتابتها بما يتوافق وخطة السلب اللامتناهية التي بدأت من الأرض، مرورًا بالإنسان، وليس انتهاء بتاريخه وحكاياته ومثيولجياته التي لابد أن نعيد كتابتها وتوثيقها وترسيخها بكل الوسائل البحثية والدرامية والفنية وغيرها".
.. إلى ذاك، وبينت الوزيرة الأردنية : "نحن اليوم أمام تحد كبير لا يمكن وصفه في هذه العجالة، هو من نحن في ظل من يحاول اختطافنا؟ وكيف نبني سيرتنا وسيرورتنا الإنسانية والثقافية في مواجهة سيرورة غريبة لا ترتبط بجذر تاريخي، تحاول اصطناع ذاتها على حساب غيرها".
وأضافت أن الحديث عن السردية الفلسطينية، يعني الحديث عن التاريخ نفسه مع شقه الآخر على الضفة الأخرى، ذلك أن تلك الجغرافيا وتاريخها القديم على ضفتي النهر لم يكن يومًا منفصلًا، بل متداخلًا في كل مراحله، وحتى يومنا هذا".
.. ولفلسطين مكانتها في الواقع العربي والإسلامي والعالم، وهي في التاريخ الحديث، حكاية، وأكثر المحطات أهمية، إذ كان لملوك بني هاشم، عهد ووعد الوصاية الهاشمية، لرعاية حق المقدسات، حيث أولوه كل اهتمامهم، والتصق بوجدان الشعب الأردني وضميره، وشكل الأردن معه أنموذجًا للعلاقة التي تربط بين أشقاء التضحية والإخلاص، وأخوية التراث والعادات والتقاليد المشتركة، كما أن فلسطين كانت تاريخيًا ولا تزال موئلًا للكثير من الروايات والسرديات التاريخية والدينية المتعلقة بوجدان الإنسان وضميره، كما كان لهذه الجغرافيا الممتدة نصيب وافر من الفعل الإنساني المتراكم، مؤكدة أهمية هذا المؤتمر لإعادة كتابة رواية وسردية بلادنا في هذه المنطقة، استنادًا إلى ما وصلت إليه علوم الآثار والنقوش.
الثقافة الفلسطينية، لفتت على رؤية التاريخ الفلسطيني، وارتباط الثقافي والحضاري، فأكد وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبوسيف ضرورة مقاومة ونبذ رواية الصناعة الاستعمارية والإسرائيلية المشوهة، بين الحقائق والمعتقد وبين الارتباط والفعل بالأرض والغايات والأهداف.
.. وفي الحيثيات، أن الصراع الحقيقي هو صراع تاريخي، وأن المؤتمر يأتي ضمن نسق إعادة بناء السردية الفلسطينية.
الوزير الفلسطيني طالب بالعمل العلمي الحضاري، لإعادة بناء السردية، ليس بحثًا تاريخيًا وحسب وإنما هو لبناء تاريخ وسردية المنطقة وإعادة الاعتبار لهذه السردية الوطنية وهو جزء مهم للمحافظة على وجودنا كفلسطينيين وعرب في هذه البلاد والمنطقة ويتطلب تأسيس سردية عربية تاريخية وفق أسس علمية واعتباراتنا كفلسطينيين وعرب.
بين البحر والنهار، يقول الوزير الفلسطيني إن سواعد التاريخ، كفنت وكللت أرواح ورفات شهداء القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي على تراب القدس، الأمر الذي يؤكد عمق التلاحم المشترك بين الشعبين الشقيقين الفلسطيني والأردني، وبالتالي يملي علينا بناء سردية مشتركة.
نجا المؤتمر، بتوضيحات عن مفهوم السردية التاريخية، وقال: إن معظم الشعوب تخلق قصة تاريخية وتستخدمها لبناء أهدافها وتوظفها بطريقة مهمة، إلا أنه للأسف فلسطين مازالت تفتقد لهذا بالرغم من تاريخها الطويل والثري على امتداد عشرات الآلاف من السنين، وهذا الأمر ينطبق على كل دول المنطقة التي تم تقسيمها رغم أنها أنشأت أولى الحضارات في العالم وأولى أبجديات العالم. ودعا إلى ضرورة أن نكتب تاريخنا وسرديتنا بأنفسنا وألا نعتمد على الآخرين، وعلينا أن نطور أنفسنا من خلال توظيف الاكتشافات العلمية التي ستبدد كل الأساطير التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في صناعة روايته.
.. لعمرك، إنها سردية تحتاج إلى بحوث ومقالات وقوى إعلامية، تقف ضد السردية الإسرائيلية والصهيونية واليهودية، بكل ما فيها من زيف ونفاق وكذب، لهذا كان الباحث في علوم الحضارات والأديان العراقي د. خزعل الماجدي في ورقته النقاشية عن "مدن العصر البرونزي في فلسطين 3200 – 1200 ق.م"، إلى أن العصر البرونزي ينقسم في فلسطين إلى ثلاث مراحل فرعية هي (المبكر، الأوسط، والمتأخر)، وينقسم كل من هذه إلى أدوار متراتبة، موضحًا ان أنماطًا مختلفة من المدن الفلسطينية ظهرت في هذه المراحل والأدوار، والبحث يرصد ظهورها وتطورها وصفات كل منها، ويحاول التقاط النسق الذي يربطها، وظهرت أولى المدن الفلسطينية في العصر البرونزي المبكر كمدن دفاعية ذات أسوار لتحصينها ضد هجوم الأقوام والشعوب الغازية".
.. بين فهم حال السردية المزيف بالأفعال الصهيونية، وبين سردية الشعب الفلسطيني، الذي ما زال على صموده برغم اختلاف مواقيت الرواية وأصحاب الحكايات، فالسردية الفلسطينية، اكتمالها بما فيها من مصداقية وقوة للشهداء ولزراع الأرض وحماية الأقصى والقدس والحرم القدسي.
الدستور المصرية