بذور أيديولوجيا القومية العربية في رسالة هاشمية
م. أشرف غسان مقطش
19-12-2021 02:41 PM
في الخامس والعشرين من ربيع الأول للسنة الهجرية (1339)* أي إما في الخامس من كانون الأول للسنة الميلادية (1920) أو في السابع منه،* وجَّه الشريف -في حينه- عبدالله بن حسين رسالة إلى "كافة إخوان[ه] السوريين".**
ولغرض دراسة هذه الرسالة وتحليلها، سوف نعتمد النص الذي ورد في كتاب (الملك عبدالله كما عرفته)، لمؤلفه تيسير ظبيان. وفيما يلي نص الرسالة:
إلى كافة إخواننا السوريين
سلام. لا أجد في نفسي أدنى ريب وأقل شبهة في أن أبناء الوطن السوري سيتلقون بياناتنا التالية بقلوب ملؤها التصديق والإخلاص. فليعلم أبناء سوريا أن ما أصابهم من الضياع المحزن من اعتداء رجال الإستعمار الفرنسي على وطنهم ومبادرتهم بسرعة فظيعة غريبة لهدم عرشهم في أول سعيهم لتشكيل حكومتهم التي وضعت أساسها على سياسة الولاء والصداقة لكل الأمم على الإطلاق، قد أثر على حواس كل عربي على وجه الأرض. وفي الوقت نفسه نعلم علما يقينا أن أبناء سوريا الكرام هم من جملة المفاخر العربية وركن من أركان الجامعة القحطانية والعدنانية لا يرضون بالذل ولا ينقادون إلى من جاء لإهانتهم في عقر دارهم، وأنهم لا يعذرون أبناء جنسهم إذا منعوا عنهم يد المعاونة والمدد في مثل هذه الآونة الخطيرة.
كل عربي يعلم يا أبناء سوريا أنكم تستنصرون وتستثيرون حميته ليأتيكم مسرعا ملبيا مقبلا غير مدبر. {ومن حيث قد توالت علينا الدعوات وصخت آذاننا الصرخات}، فها أنا ذا قد أتيت مع أول من لباكم لنشارككم في شرف دفاعكم لطرد المعتدين عن أوطانكم بقلوب ذات حمية وسيوف عدنانية هاشمية، ليعلم من أراد إهانتكم وابتزاز أموالكم وإهانة علمكم واستصغار كبرائكم أن العرب كالجسم الواحد إذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم، وأن الله سبحانه وتعالى لم يترك الأمة سدى بددا متفرقة مفتونة بالباطل مغرورة بالكذب وواهن القول.
ليعلم أبناء سوريا أن هؤلاء المعتدين قد عَدّوكم من جملة من أدخلوا تحت عار استعمارهم، ووضعوهم في مصاف الزنوج والبرابرة، وظنوا أنكم لستم من ذوي الغيرات وأصحاب الحميات.
كيف ترضون بأن تكون العاصمة الأموية مستعمرة فرنسية. إن رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى. وأن غايتنا الوحيدة هي كما يعلم الله نصرتكم وإجلاء المعتدين عنكم. وها أنا اقول ولا حرج بانني قبلت تجديد بيعة مليككم فيصل الأول عن الأكثرية الغالبة التي جددت تلك البيعة على يدي. وإني سأعود إن أبقاني الله حيا إلى وطني يوم نزوح عدوكم من بلادكم. وعليَّ هذا اليمين بالشرف. وأمركم حينئذ وبلادكم بين يديكم متعكم الله فيها بالعز والسؤدد والرفاهية والمجد.
أتينا لبذل المهج دونكم لا لتخريب البلاد كما يُفْتَرَى علينا، وكفانا دليلا صدق بلائنا في الله والجنسية والوطن وتعريض النفس للأخطار والمحن. وما وضعه عليكم ذلك المستعمر من الضمانات المثقلة إثر اعتدائه عليكم لدليل لا يحتاج إلى دليل.
أتاكم ذلك المستعمر ليسلبكم النعم الثلاث: الإيمان والحرية والذكورية.
أتاكم ليسترقكم فتكونوا غير أحرار. أتاكم ذلك المستعمر ليأخذ منكم أسلحتكم فتكونوا غير ذكور، أتاكم ليخيفكم بقوته وينسيكم أن الله بالمرصاد فتكونوا غير مؤمنين. لذا ندعوكم للحياة والإجتماع والذب عن الوطن وعدم الإصغاء لكل دسيسة تفل عزمكم وتبدد جمعيتكم. واستعين الله لي ولكم فيما نحن بصدده.
حرر في 25 ربيع أول سنة 1339
الأمير عبدالله
إن نظرة فاحصة إلى الرسالة تكشف لنا النقاب عن الأوتار الحساسة التي ضرب عليها الشريف عبدالله ليدندن بها وهو يخاطب "كافة إخوان[ه] السوريين". فالشريف يرى أن ما "أصاب [أبناء سوريا] من الضياع المحزن من اعتداء رجال الإستعمار الفرنسي على وطنهم...قد أثر [بالنسبة له] على حواس {كل عربي} ..."
"وأبناء سوريا الكرام" وفقا للشريف في هذه الرسالة "هم من {جملة المفاخر العربية} و{ركن من أركان الجامعة القحطانية والعدنانية} [الجامعة العربية فيما بعد]" ثم نرى الشريف "[يعلم علما يقينا]" أن "أبناء سوريا الكرام" "لا يعذرون أبناء {جنسهم} [المقصود: عرقهم أي العرق العربي] إذا منعوا عنهم يد المعاونة والمدد في مثل هذه الآونة الخطيرة". والذي سيأتي "أبناء سوريا... مسرعا ملبيا مقبلا غير مدبر" إذا ما "[أستنصروا أحدا واستثاروا حميته]" برأي الشريف هو: "{كل عربي}".
والشريف برر مشاركته "أبناء سوريا" القتال "لطرد المعتدين" لكي يبلِّغ "من أراد [إهانتهم] ... أن {العرب} كالجسم الواحد اذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم".
وتشبيه العرب بالجسم الواحد يذكرنا بحديث للمصطفى: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أو كما قال. وهذه لفتة ذكية من الشريف في محاولة الدخول إلى قلوب "أبناء سوريا" من باب العروبة بمفتاح الدين. وما "[السيوف العدنانية الهاشمية]" التي سيشهرها الشريف في وجه "المعتدين" إلا محاولة منه لتذكير "أبناء سوريا" بعروبته "عدنانية" وبنسبه إلى المصطفى "هاشمية".
وكان الدليل الذي استند إليه الشريف في تبرئة نفسه من التهمة الموجهة له افتراءً بأنه قدم "لتخريب البلاد" هو "صدق [بلائه] في {الله} والجنسية [القومية] والوطن وتعريض النفس للمحن والأخطار".
وتحديد الشريف ل "صدق [بلائه] في الله" ليس في "الدين" هو تلميح خاطف من الشريف ل "أبناء سوريا" بأن "المعتدين" مشركون بالله و/أو كافرون به.
يمكن القول أن هذه الرسالة هي أول شهادة ميلاد رسمية لفكرة أو أيديولوجيا "القومية العربية"؛ فالرسالة وضعت تعريفا للقومية العربية في إطار مفهوم تراثي تاريخي "الجامعة القحطانية والعدنانية"، وحددت نوع الرابطة أو الآصرة بين العرب بأنها وحدة لا إتحاد "العرب كالجسم الواحد اذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم"، وذكرت الأسس التي تقوم عليها هذه العلاقة بين العرب: "الله والجنسية [القومية] والوطن وتعريض النفس للأخطار والمحن [تاريخ مشترك]".
ملاحظات:
1) الكاتب يعتمد صحة المعلومات الواردة في النصوص المُقْتَبَسَة أعلاه حتى يرد ما يختلف عنها في أي مصدر و/أو مرجع آخر غير الإنترنت.
2) ما بين العلامتين [...] إضافة من الكاتب على النصوص المُقْتَبَسَة لغرض التوضيح و/أو التصويب.
3) العلامتان {...} خطان أحمران من الكاتب للتشديد على أهمية المفردة و/أو العبارة.
هوامش المقال:
*كتاب (الملك عبدالله كما عرفته)، لمؤلفه تيسير ظبيان، الطبعة الثانية (1994)، ص(34)
**لجأت إلى عدة مواقع إلكترونية لتحويل التاريخ الهجري المذكور أعلاه إلى ميلادي، فكانت النتيجة طبقا لبعض المواقع (05/12/1920) م، ولبعضها الآخر (07/12/1920) م، ولست أدري أيهما الصحيح!
*كتاب (الملك عبدالله كما عرفته)، لمؤلفه تيسير ظبيان، الطبعة الثانية (1994)، ص(32)