لقد وصلنا لحالةٍ مزريةٍ ومخجلةٍ من الأسى واليأس في أوضاعنا العربية وحان الوقت فعلا لكي ينهض العربي من هذا البؤس واليأس.
النهوض صعب ونحن بأضعفِ الأحوال. نعلمُ ذلك. نحتاج إرادةً للنهوض لا تبدو راغبة ومن الدعم ما ليس متوفراً اليوم والتحدياتٍ الكبيرة كثيرٌ منها داخلي مُلِّحْ. والمرء يتساءل عن كيفيةِ وصول أحوالنا الداخلية لمثلِ هذه الحالةِ الصعبة. الأسباب التي تسوقها التقارير الدولية تكررُ لما نعرفهُ من قصورِ مساحات الحوكمة وفرص العمل وتأمين المستقبل للأجيال القادمة. ومن المعلوم أن التفات الناس لتدبر حياتهم تحت ظروف اقتصاديةٍ حرجة يأخذهم بعيداً عن الاهتمام بالمهددات الأعم. وعبر هذا اللهاث المعيشي تخترقنا النكسات. ما نريده هو جهد عربيٍّ إيجابي يستفيد منه المواطن بشرطِ أن يكونَ بين الدول العربيةِ ومع غير العربية في المنطقة، ولكن ليس مع الصهيونية الإسرائيلية العنصرية. من الظاهرِ أنهُ ما من رغبةٍ للوقوفِ بوجهِ الصهيونية الإسرائيليةِ العنصريةِ بل أن الرغبة العارمة هي بتسريع التطبيع بالدبلوماسية المؤطرة بالاتفاقيات مما يضفي شرعيةً لا ينبغي فضَّها. وما من قوةٍ عربيةٍ كذلك تستطيع إعادةَ التوازن الذي اختلَّ بالتدخل التركي المعقد في سوريا والعراق وليبيا، والتواجد الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وبالرغم من الاقتتال الداخلي في الحبشة وما شاعَ عن أيادٍ عربيةٍ ساهمت بإضرامه في محاولةٍ كما قيل لازاحة حكومة آبي أحمد وبالتالي تسهيل الوصول لحل أزمة السد، فإن السد قائم والحل غير منظور.
من الطبيعي أن ننظر لمصر، وهي الأقوى والمرتجى منها الموقف الأكبر، لكنها عندها من القضايا المصيرية التي تأخذ بانتباه قيادتها أكثر من الالتفات لمهمة تجميع العرب حول نهضة مُؤْمَلَة. ضمانُ مياهِ النيل من منابعه والتحديث السريع للبنيةِ التحتيةِ وترسيخِ القيم المجتمعيةٍ الصحية وبناء القدرات البشرية والعلمية التي لا بد منها للمستقبل هي أمورٌ مصيرية ورياديةٌ بعيدةُ الأثر تُبقي مصر منشغلة.
والأردن حامل لواء الثورة العربية صبورٌ حذرٌ ِلصونِ وتنميةِ موارده المحدودة لتلبية احتياجات شعبه المتزايدة في ظل اقتصادٍ متعب، وهو مهتمٌ أن يتحقق ذلك من دون اكتساب عداواتٍ بل شراكاتٍ مفيدة. والعراق فيه من السياسة المتضاربة ما تجعل قراره متوترا غير قادر على خلق زخم نهضة عربية. كما أن الإنقسام داخل فلسطين ليس أوسعَ بمواجهة الإحتلال الصهيوني ففلسطين التي كانت تجمع العرب باتت خلافاتها الداخلية تنبذهم؛ والمحددات والعقوبات الصارمة تقيد سوريا والتعاون معها؛ وهناك تعدد مواقف دول الخليج والحرب بين السعودية واليمن وأزمات لبنان المتتالية. وإلى الغرب العربي أزمة تونس السياسية وخلاف الجزائر والمغرب وتأرجح السودان بين الجيش والمدنيين والتنافس المرير بين أركان ليبيا. كل دولةٍ تئِّنُ تحت ضغوطٍ داخليةٍ وخارجيةٍ وتنشغِلُ بما لا يسمح لها أن تنظر للنفعِ العربي العام.
وعلى الرغم من ثقتي بيقينِ العرب بالخطر الاستراتيجي الصهيوني عليهم وبالرغم من العنصرية الصهيونية التي لا تنظر للعرب ومقدساتهم الإسلامية والمسيحية على حَدٍّ سواء إلا باستخفافٍ واستباحة، لكن السعي حثيثٌ فيما يشبه السباق مع الوقت لتثبيتِ واقعِ تطبيعٍ لا يمكن قهره بل أنه يتجاوز المعقول فيزداد تبادل الزيارات والتنسيق متعدد المواضيع بين إسرائيل وكثيرٍ من العرب. لم يبقَ من العربِ الذين لم يتصلوا بإسرائيل إلا القليل والباقي يتمنى التطبيع وهو ما نعلمه من الأخبارِ الإسرائيلية قبل العربية.
ومن المؤسفِ أن ملايين العرب هم بين مدركين صامتين أو غافلين عن حقيقةِ أن حياتهم اليومية تتقاطع معيشيا مع إسرائيل رضوا أم لا وذلك عبر اتفاقياتٍ قد لا يمكن التراجع عنها. فبين العرب وإسرائيل قائمة طويلة من التبادلات التجارية والتخطيط المشترك لمشاريع حيوية تجعل من محاولات العرب حتى البسطاء منهم لمقاطعة إسرائيل جُهْداً بلا نتيجة. لا يوجد اليوم ضمان أنك لا تشرب وتأكل وتتدفأ أو تتمتع بتقنية مسموعة ومرئية لم يدخلها مكونٌ إسرائيلي. ولم يحصل هذا صدفةً بل من خلالِ معاهداتٍ واتفاقياتٍ والتزاماتٍ عبر السنين وعبر زياراتٍ تساهم بوضعِ إسرائيل موضعَ الثقة و الملجأ. العلاقات الوثيقة مع إسرائيل صارت اختياراً واعياً يؤمن بجدوى إسرائيل لا كحليفٍ تجاري و تقني بل أنه يساهمُ بإعادة التوازن الإقليمي أو كسره لصالح العرب، مع إيران تحديداً. يُرَوِّجُ هؤلاء المبررات و الضرورات التي تدعم التعاون العربي الإسرائيلي في الجوانب التنموية و التقنية في مساعيهم تحبيب هذا التعاون و أنسنته مع شعوبهم التي اضنتها مشقة المعيشة لدرجة أنها لا تقوى على الاعتراض؛ و أما التي تعيش بحبوحة الحياة فهي لا ترفض المزيد من الرفاه و لو أتى من عند الصهيوني مغموساً بدم أشقائهم و مسروقاً من أراضيهم. إنها حالةٌ محيرةٌ أن يتجه العرب لعدوهم الذي يحتقرهم و لا يتجهون لأشقائهم العرب أو جيرانهم أو للدول الصديقة المتقدمة التي يمكن لها تقديم البديل. كما أنه لا يتوافق و التاريخ و المنطق اللذان يقولان أن التحدي الأساسي الوجودي لأي عربي في المشرق والمغرب هو في الصهيونية و إسرائيل و أنها هي و ليس سواها المُصطنع الاستعماري الذي احتل فلسطين و الجولان و سيواصل إن استطاع ابتلاع أراضينا و بالتأكيد احتلال عقولنا و مقدراتنا بأساليب متعددة. و المؤلم الذي يضرب بعمق هو التودد و التهافت لإحياء الطقوس اليهودية و المشاركة فيها و بفرحةٍ تتحدى الأخلاق والقيم للغالبية من العرب. و لعل إشعال الشمعدان مع الصهاينة المحتلين إلا مثلا لا ينساهُ الضمير الحي ذلك أنه يُشْعَلَ تحت هزيمة و اغتصاب. إنه تحويلٌ متعمدٌ في العقلِ العربيِ لإقناعهِ أن الصهيوني قَدَرٌ واقِعٌ مثله مثل غيره ممن تقام معهم العلاقات الطبيعية. من يقبل يَعِشْ و من يرفض يُهَمَّشْ و يندثر.
ومؤسفٌ في هذا السياق أن تكونَ هناك مقارنةٌ هنا مع إيران و تركيا لكنهما لا تتنازلان عما تَعُدَّانه حَقَّاً جغرافياً و إلى حدٍّ ما تاريخياً و دينياً في مد نفوذهما وحماية جوارهما الحيوي رغما عن العرب. هنا تقفز الأهواز وجزر الإمارات الثلاث ولواء الإسكندرون و تجفيف الأنهار عبر الحدودية و غيرها من مظاهر التدخل كأمثلةٍ في أذهانِ العربِ لاستغلالٍ إيرانيٍّ و تركيٍّ لا يختلف عن الاحتلال و الاستغلال الصهيوني لفلسطين. لذلك فإن هناك تبريرا لمعاداةٍ صارمةٍ ضد إيران عند كثير العرب لأنها عندهم لا تستغل و تحتل و حسب بل تدفع بالمذهبية، و هذا عندهم تهديدٌ وجودي. أما مع تركيا فالعلاقةُ طبيعيةٌ ورغم التوتر بين الحين و الآخر و رغم كذلك التدخل التركي بسوريا و العراق و ليبيا. يحتفظ الوجدان العربي بتوافقٍ يطيبُ لهُ بل يُغذِّي عند كثيرٍ أحلام الخلافة التي برع الفن التركي بإبرازها لجمهور العرب الذي صار يعرف عن أرطغرل أكثر مما يعرف عن المختار و الجزائري و الحسيني و العظم. و لا يعتدَّ هؤلاء بأن تركيا، رغم تصريحات رئيسها الحادة ضد إسرائيل بين الحين و الآخر، تحتفظ بتعاونٍ لم يفتر مع اسرائيل. أما مدُّ الجسور لإسرائيل التي تحتل وتستغل و تُنكل و تقتل فعزاءَ المرحبين بها من العرب أنها تمنح فرصةَ بعثِ فهمٍ جديدٍ مستنير يجمع الشعوب في فضاء التسامح المطلوب لهذا الزمان و كذلك فإن لديها العديد و المزيد من وعودِ و مقوماتِ التطورِ فائقِ الجدوى لمتطلباتِ المستقبل.
لقد مررنا بعشرات المبادرات العربية التي كانت ديباجتها التعاون و العمل الجماعي و عشنا لنرى معظمها يتبخر على وقع الخلافات. و عندما نتأمل في أحدث المبادرات، أي التعاونٍ المشرقيٍّ الأردني المصري العراقي، نجد فيه السمات المطلوبة للمصلحةِ المشتركة ونأمل توسيعه لأنه يبني على مصالح اقتصادية مشتركة. لكنه يشكو شعبياً من المنغصات. أولها العلاقات مع الصهاينة و ثانيها هو في العراق و النفوذ الإيراني. مصر والأردن ماضيتين بالتعامل مع إسرائيل بحكم المعاهدات المبرمة. الإلتزامُ الأردني قائمٌ على الواجب لحماية المقدسات بفلسطين لكنه يصاب بخيبات أملٍ متواليةٍ كل صباح عندما يُقتحمُ الحرمُ بالأقدام الصهيونية، لكنه يبقى ما بقي من ضمانةٍ تحسباً حدوث الأسوأ. و الترابط العضوي بين الشعبين والحاجة الماسة في الأردن للماء والطاقة لا تترك للأردن مجالاً إلا بإبقاء هذه العلاقة. و الحاجة المصرية لضبط سيناء و غزة واستثمار الثروة النفطية البحرية، هي ضمن سَلَّةِ القضايا المتشابكة التي تبرر الالتزام بالمعاهدات. من غير هذا الالتزام يفقد البلدين عنصر الضغط على إسرائيل، كما يقول المحللون السياسيون. ومصر ترى تركيا مُهَدِدَةً لمصالحها في البحر الأبيض و حدودها مع ليبيا و في سوريا بينما الأردن لا يرى من مصلحته مناكفة تركيا بل هو قلق من إيران و وصولها لحدوده مع سوريا. و العراق يتلوى بين توغل تركيا و نفوذ إيران و إصرار أمريكا على حمايته و إضطراب سياسته المعيشية و تبدو كل محاولات بعثهِ من التشرذم صعبةً، فما من سندٍ عربيٍ يأتيه من فوره إلا و كان في طياته الورقة الطائفية في بلدٍ سرطانه هو الطائفية. وسوريا القريبة بعيدةٌ لا تزال و لا تستطيع التباعد من إيران التي وقفت معها طوال سنوات الحرب و هي إذ تحتاج المحيط العربي تعلم أن اليد العربية قصيرةٌ فكيف يستطيع العرب واقعياً أن يدفعوا تركيا وإيران خارج سوريا من موقع خوفهم من تطوير العلاقة العربية السورية. و أُمُّ القضايا فلسطين ضائعةٌ في صراعِ الإخوة و فريسةٌ أمام السيطرة الصهيونية الضاربة في المدينة و القرية الفلسطينية؛ ولبنان تهتز أركانه بمزاجِ محلي إقطاعي النكهة و من وراء حدودها. للأسف أن هذه حقائق و منغصات لا تساعد للتكتل أو التوازن المشرقي بأي اتجاه و لا لتوسيع فوائده.
كما إن بناءَ تعاونٍ سواء كان مشرقيا أو عربيا أوسع بشكل استراتيجي، بمشاريع اقتصادية و استقطاب عمالة عربية، يحتاج ليس فقط إرادةً و اقتناعاً عربياً يبدوان هائمين في الحقيقة و لكنه يحتاج دعماً اقتصادياً تملكه في المنطقة دول الخليج العربي التي ترعى مصالحها بكل حرص. فهي تبني سياساتها ككل على أساس التجاور الحذر مع إيران و التشارك في الخليج و كدول فرادى على أساس مصالحها الفردية. و هي تريد حتماً، و تحوز، القبولٍ العربي في سياستها تجاه إيران. أما الدعوات الإيرانية لتوافق خليجي بمعزل عن القوى الخارجية، أي أمريكا و الحلفاء، فهذا شبه مستحيل في ظل علاقات قويةٍ و ثقةٍ خليجيةٍ بالغرب تفوق كل رغبةٍ بالثقةِ بإيران. و اليقين هو تعايشٌ يحلم كل طرفٍ فيه بتطويع غريمه و هو كذلك مستحيل ما لم تحصل الكارثة التي قد تسبب التراجع للوراء إلى ما يقارب الاندثار. و لذلك تنظر إيران لدول الخليج بعين الشك، كما هم تجاهها، متحسبةً بشكل خاص من علاقات متطورة لهم مع إسرائيل عندما تقوم إسرائيل باستهداف النفوذ الإيراني في حملاتها الاستخبارية والاغتيال والتفجير داخل إيران.
آفاق التعاون العربي الأوسع ضيقةٌ و العلاقات الثنائية غير الضارة إقليمياً هي التي تسود. نكتفي و نقنع لو أن الثنائيات العربية تدوم و تتعاون فلربما من الثنائي نصل للتجمعات الأكبر والأعم فوائد. لكن التعاون الثنائي يختفي بين الموج العاتي من التطبيع أو يكاد يكون التطبيع ثالثه الذي يظهر فجأة. أليس من حقنا أن نرى في توجه دول عربية للتعاون الأوثق مع إسرائيل تهديدا وجوديا؟ ما من شكٍ في هيمنةُ إسرائيل الطاغية على الوعي العالمي بحيث تستطيع أن تفعل ما تريد. و هي نجحت بزرع هذا في العقل العربي. و العرب الساسة لا يرون جدوى عداوةٍ مع إسرائيل تستحق المخاطرة باستقرارهم. بالمقابل، هم يرون أن التداخل الإيراني في العراق و سوريا و لبنان بات من الوجود و الهيكلية المهددةِ بمكانٍ و بدرجةٍ عاليةٍ غير قابلةٍ للتفكيك و التخلي عن المواقع بما يفوق أي تهديد إسرائيلي. وأن النفوذ التركي يتمركز و يتجذر و سيبقى و إن رهيناً للسياسة الحاكمة في المنطقة بين روسيا وأمريكا وتركيا، وأن دول المشرق ليس بمقدورها غير القبول على مضض بهذا الواقع "الاحتلالي" طالما أنها لا تحمل و لا تستطيع استخدام مفاتيح القوة تجاه الدولتين. و عليه فإن القرار العربي الغالب هو القناعة بالتعاون الثنائي و ربما الثلاثي و الإلتزام بالتعاون المرحلي والاستراتيجي مع إسرائيل ليس فقط مقابل التواجد الإيراني تحديدا و لكن على الصعيد المستقبلي المعيشي. بالمقابل، يتسم العربي بتملكه القلق إزاء تعاون حكوماته مع إسرائيل، بالمعاهدات و بغيرها، وكذلك من تمدد المذهبية والطائفية. فهو لا يريد و لا يرغب بالتطبيع لكن ما بيده من وسيلة توقفه؛ و يعادي إيران الشيعية رغم عدائها مع إسرائيل و يتهمها بأنها و إسرائيل في حلف ضد العرب؛ و يميل لتركيا استناداً إلى الشعبيةِ التركية الدينية لكنه يغمض العيون عن التعاون التركي الإسرائيلي المتشعب. موقف غريب يمكن تفسيره بِتَسَيُدْ النظرة المذهبية و الخوف من فقدان مميزات الحياة. هذا الميلان الشعبي و ضيق الأفق العربي الأوسع يدفع لمزيدٍ من التوافق العربي الضمني و المعلن مع الأهداف الإسرائيلية ضد إيران يغذيه هذا الرهاب المذهبي، و لكن ألا يخشى العرب أن ينقلبَ هذا التوافق عليهم حرباً مدمرة تهددُ بها إسرائيل و تهددُ بها إيران؟ ما هو سيناريو الكارثة لو قامت الحرب بين إيران و إسرائيل و ما هي تبعاته على العرب؟ لا أحد يتكلم عن ذلك. و لا أحد يؤلب ضد الصهيونية التي تمتلك مئات الرؤوس النووية لأنها فوق القانون.
إن من شأن الضعف العربي و خياراتهم السياسية أن تبقى إيران و تبقى تركيا متمسكتين بتعاظم دورهما بمنطقتنا. ضعفنا لن يجعلهما تتخليا عما تعتبرانه امتداداً حيوياً في المنطقة لحماية مصالحهما إلا إن تقدم العرب بمصلحتهم و بقوة متساوية وهذا غير مُتاح. لكن أن تصبح إسرائيل الحليف لهو واقع مُوجعٌ. هل يتخيل العرب أنها حليف لصالحهم؟ بعضهم يرى الأمر كذلك. هي متوغلة ضد إيران و هو ما يخدم سياسات العرب. و هي تسيطر على موارد حيوية مثل المياه و الغاز و تحتفظ بتقدم تقني هائل و هو ما يحتاجه العربي. لذلك يتَبَنَّى العربي سياسة الصداقة والتحالف مع إسرائيل بما يُدخله بمعاهدات جديدة معها عن اقتناع بفائدتها. كما يتبنى معاداة إيران بالمواقف و السياسات و يهادن تركيا البعيدة بالفعل عن نفوذه المباشر. ومع هذا نرى ضعف التأثير العربي بأي اتجاه فلا هو يقنع إيران أو تركيا أو يمنع هدم بيت في حيٍّ من مدينة فلسطينية.
أودُ أن تقتنعَ نفسي أن السياسات المتبعة من تطبيعٍ و تعاونٍ مع إسرائيل هي نوعٌ من درأ المهددات و الممالئةُ السياسيةُ وشراء الوقت ريثما تتكون الكتلة العربية القادرة على استرداد الحقوق. لكنهُ تعاونٌ يترسخُ و يزيدُ من القيمة الفعلية للصهيونية وتغلغلها الحياتي السرطاني بنا. كما أن حرباً مع إيران بمشاركةٍ او برضى العرب ستكون كارثيةً علينا في الخليج العربي وجواره الشرقي الممتد. و سكوتنا المقيد مع تركيا الممتدة يجعلها تُكَرسَّ فعلاً امتدادات التاريخ العثماني، لكن فقط باتجاهنا.
نحتاج فعلا لتبني واحتضان موقف الجزائر و تونس بوضع الصهيونية بمصاف المهدد الأساسي للاستقرار و الاستقلال. نحتاج "الجلافة" مع الصهيونية و بشأنها و التصلب و المقاومة ضدها. و بموازاةِ هذا، ينبغي قطعاً التعامل والحوار الحازم لكن بإيجابية مع إيران وتركيا فما يربط العرب بهما أعمق مما يفرق. نحتاج استجلاب مقومات المصلحة العربية وفرضها. القول الفصل هو بصحوةِ العربي الآن لينظر بذاته و مقدراته و مصالحه و الالتزام ببناءِ القدرة العربيةِ لتستفيدَ الشعوب و لنؤسس التفاهم الإقليمي بغلبة الأمن القومي العربي و بصَد و هزيمة الصهيونية المحتلة.