"فاغنر" تواجه عقوبات غربية، لماذا؟
د.حسام العتوم
18-12-2021 01:53 PM
هنا شخصيا، لا أروج لما يسمى بمجموعة "فاغنر" الروسية الأمنية - العسكرية و الاقتصادية، التي تأسست عام 2013، و قادها بإسم الجهازين الأمني والعسكري الروسي شخصيات أريد لها أن تظهر في الواجهة مثل (يفغيني بريغوجين ودميتري اوتيكين وبيكالوف و غيرهم). ولكن من حق المتابع العربي أن يعرف ما يجري حوله في العتمة، وما يحرك المياه من تحت رجليه في زمن معاصر اعتاد على العزوف عن الوحدة العربية وبما يمكن أن تتضمن من قوة حقيقية أمنية وعسكرية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية وثقافية واجتماعية.
وذهب للإلتفاف حول إسرائيل، وما أدراك ما إسرائيل؟! وحول الاستعمار نفسه وبوجوهه المختلفة الموزعة على قارات العالم غرباً وشرقاً، وهي التي تبتسم بوجه العرب و قلبها على إسرائيل من جديد، ومشاريع "فرق تسد" لازالت سارية المفعول. وصيحة شريف العرب وملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه دعتهم إلى ذلك عام 1916، وحركت صوبهم وقتها صهيل خيول جزيرة العرب وقطاراتهم عبر ثورة عربية هاشمية مجيدة معاصرة قلّ نظيرها، قصدت وحدة بلاد الشام و بناء دولة العرب وقوبلت بحراك عثماني وصهيوني واستعماري (إنجليزي، فرنسي)، تمثل في معاهدة سايكس – بيكو بنفس العام، وبوعد بلفور عام 1917. وكتب لاحقاً في مضمار الوحدة العربية التي من شأنها لو حدثت لتصدت لكافة الاختراقات في الصف العربي، سليمان الموسى في مؤلفه (الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908 – 1924) . ص 695 ، حيث كتب قائلا: (تتمثل الوحدة في العَلَم الواحد و النقد الواحد و جوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد).
والملفت للانتباه هنا، هو أن (قانون قيصر) الأمريكي الغربي، تحرك أيضا عام 2013 تزامنا على ما يبدو مع ميلاد (فاغنر)، و العكس صحيح لإحداث مواجهات ميدانية غربية - شرقية. وقيصر أو سيزر منشق عن النظام السوري تمكن وقتها من جمع 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل سوري بداية الربيع العربي والسوري تحديداً، تحدثت عن السلوك السلبي للنظام السوري، وهو الأمر الذي حرّك أمريكا والغرب لمعاقبة سوريا مالياً واقتصادياً، من دون الحاجة لتحريك فرق تقصي حقائق ميدانية منصفة لدمشق السياسي والمعارضة والشعب المكلوم.
وصفقة القرن تم نسجها و صياغتها رغم رفضها عربياً بأشكال مختلفة لتناسب دقات قلوب الشرق العربي والأوسع (الأوسط) وعبر مراحل خُطط لها مسبقا. ويبدو لي بأن موسكو من زاوية أمنية واقتصادية حركت مجموعة "فاغنر" سابقة الذكر هنا لمواجهة قانون قيصر بدايةً، و لتطوير عملها إلى الأمام، لتحقيق أغراض تصب في المصالح الروسية المتشعبة (الأمنية و الاقتصادية والعسكرية)، و هو ما حدث قولاً وفعلاً، وعلى الأرض في شتى بقاع أوكرانيا - في الدونباس، وفي مالي- في أفريقيا الوسطى، وفي ليبيا، وفي سوريا، وفي اليمن، وفي العراق، وفي أفغانستان، وفي غير مكان. وتحرك الاتحاد الأوروبي هذا العام 2021 ووجه حزمة من العقوبات على (فاغنر ) شملت 8 شخصيات هامة، و 3 شركات، و عقوبات مالية وتجميد أرصدة، ومنع تأشيرات الدخول.
وبالمناسبة، لا تستطيع شركة أمنية اقتصادية عسكرية خاصة مثل (فاغنر) أن تتحرك بحرية مطلقة وسط أزمات العالم الساخنة من دون دعم لوجستي ومالي من روسيا الاتحادية الرسمية وقيادتها في قصر الكرملين وجهاز أمنها (F.C.B) بجناحيه الداخلي والخارجي في موسكو العاصمة، المرتبط بأجهزة مخابراتية سوفيتية سابقة تطلق على نفسها الاسم الأمني السابق ( K.G.B). ولا يستطيع جهاز أمني مثل (فاغنر) أن يمارس التموية الاستخباري من غير دعم مباشر من جهاز الأمن الرئيس في موسكو في شارع ديرجينسكي. وتعاون كبير مؤكد بين الجهازين الرسمي الأمني الروسي والخاص (فاغنر ) وسط ميدان عمل روسيا اللوجستي الخارجي، لدرجة يتم تحويل من يعمل فيها من العاملين في جهاز الأمن الروسي السري والرسمي (F.C.B ) الى أعمال خاصة كما أتوقع و على مقياس ( فاغنر ) و توسعاتها في العمق الاستراتيجي لروسيا المعاصرة خارج حدودها . و بينما هي (فاغنر ) تتهم في الغرب بانتهاك حقوق الإنسان، تدافع موسكو عنها وتصفها بالملتزمة بالقانون الدولي.
ورصد موقع عربي21 الأخباري مجموعة من الأنشطة اللوجستية لفاغنر منها في ليبيا عام 2018 وسط قاعدتين عسكريتين لروسيا في طبرق وبنغازي، و في سوريا نفس العام، حيث ذكرت شبكة (بي بي سي البريطانية ) وتحدثت عن 2500 عنصر لفاغنر تواجدو هناك، ومنهم من وُجّهو لحماية البترول السوري من عصابة (داعش ) المجرمة. وتصريح لبومبيو مدير الاستخبارات الأمريكية وقتها، تحدّث عن مقتل العديد من عناصر (فاغنر) في سورية. وذكر موقع ( ستراتفور ) الأستخباري الأمريكي عام 2018 أيضا، وجود نشاط لوجستي روسي قبيل الإطاحة بالرئيس عمر البشير للمحافظة على نظامه مقابل الاستثمار بالذهب واليورانيوم والألماس. وفي أفريقيا الوسطى عام 2018 كذلك، تواجدت ( فاغنر ) في أفريقيا الوسطى لحماية المناجم المربحة هناك ولحماية النظام القائم. والعام الحالي 2021 ذكرت صحيفة (le Figaro ) الفرنسية بأنها التقت عنصر من (فاغنر) عرفت منه بأنه باحث عن المال الذي لم يستطع جمعه أثناء خدمته العسكرية في روسيا. و الأمثلة غيرها كثيرة و كثيرة، و الأهم بالنسبة لنا نحن العرب، هو التمسك بالمعرفة واستشراف المستقبل بعيون ثاقبة، و(ما بحرث لبلاد غير عجولها)، كما يقال في شرقنا.