خلال اللقاءات الاخيرة للملك مع لجان الاعيان والنواب والمكتبين الدائمين للمجلسين كان هناك اشارة واضحة في حديث الملك باننا مقبلون على مرحلة سياسية مهمة، وهي اشارة متكررة في لقاءات اخرى ايضا، والرسالة التي يقصد الملك ايصالها ان ما لدى مجلس الامة من تشريعات سياسية هي الارضية التي سيتم البناء عليها في رسم معالم بناء مؤسسات الدولة الدستورية.
وبشكل مواز مع احترام حق مجلس الامة الدستوري في مناقشة هذه التشريعات فان الملك يريد ان يتم هذا بالحد الاعلى من الهدوء السياسي الذي يحفظ لهذه التشريعات صفتها التوافقية كنتيجة لعمل اللجنة الملكية، وان لا تكون عمليات النقاش وليس مضمونة صانعة لتحويل هذه التشريعات الى حالة خلافية على الصعيد العام، بحيث تفقد وزنها الوطني وتتحول الى مضمون للجدل والاختلاف وليس كما هو مراد لها عندما كانت فكرة تشكيل اللجنة.
وفي اللقاء الاخير للملك مع المكتب الدائم لمجلس الاعيان كان هناك رسالة اضافية تتعلق بهذه التشريعات او اي مسار هام تتبناه الدولة، وهذه الرسالة بأن يكون هناك رسالة موحدة للدولة تكون واضحة ومحددة تقدم للاردنيين في القضايا المختلفة، وهي رسالة هامة من الملك للسلطة التنفيذية بان يترافق تبني اي مسار او قرار او مشروع يجب ان يترافق مع رسالة محددة ومقنعة يتم طرحها امام الناس، فالقضايا العادلة ان تبناها محام فاشل تتحول إلى قضية سيئة والعكس صحيح، والتوجيه الملكي واضح بان تكون الرسالة موحدة اي لا تكون متناقضة او مرتبكة او يغيب عنها احترام ذكاء الناس، وان يتم تقديمها بشكل منطقي هادئ دون انفعال يشعر معه الناس انها ضعيفة او تحول الانظار الى الانفعال واجواء الحديث وليس لمضمونه.
حديث الملك ورسائله تؤكد ان هناك أجندة واضحة في ذهن الملك لعمليات سياسية في المراحل القادمة وربما لا تكون المسافة كبيرة بين اقرار هذه التشريعات والبدء بتحويلها الى واقع سياسي يلمسه الاردنيون وان لايبقى الامر مجرد اوراق وقوانين نظرية، وانه يحث مجلس الامة على انجاز ما لديهم من تشريعات بما يحفظ عليها سمة التوافق ويحترم حق المجلس في النقاش لكن دون الذهاب الى اجواء تفقد هذه التشريعات سمتها التوافقية.
اما حديث الملك عن ضرورة وجود الرسالة الواضحة المحددة للدولة في القضايا المهمة فهو اشارة الى ان غياب هذه الرسالة في ادارة بعض القرارات والمشروعات اضعف موقف الدولة وحولها الى متهمة في مواجهة الرأي العام.
ابسط واجبات الحكومات ان تدافع عن قراراتها وان تكون قريبة من الناس، ولم يكن الاختباء والصمت في غير مكانه يوما حكمة او اداء سياسيا بل هو معزز للاشاعات واضعاف لموقف الدولة وترك مؤسسة الحكم في مواجهة الازمات بسبب ضعف واختفاء من هم موجودون لادارة هذه الازمات.