الكباريتي بين الوقوف على ضفاف الحقيقة والاتكاء على حسن/اتفاق النوايا
السفير الدكتور موفق العجلوني
18-12-2021 01:20 AM
لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تستمع لدولة عبد الكريم الكباريتي حتى تهيم به حباً و عشقاً و تقديراً و احتراما لما يتمتع به من ادب جم و خلق رفيع ودماثة نادرة و تواضع و بعد نظر، و يأخذك في عالم تعجز الكلمات عن وصفه، و ما ان تعود الى ذاكرتك، حتى تسرع الى قواميس و معاجم اللغة و كتب التفسير، حتى تجد المعنى لا بل المعاني والمترادفات لعباراته و التي تحتاج احياناً الى أبو الأسود الدؤلي و الخليل بن أحمد الفراهيدي و سيبويه لتحليلها و تفسير معانيها والوقوف على ابعادها .
في جلسة عشق لصاحب القلوب الكبيرة معالي الباشا الجندي والحكيم يوسف القسوس وبرعاية من شيخ الحكماء وشيخ الباشوات وشيخ المعلمين دولة الدكتور عبد السلام المجالي اطال الله في عمره، غصت قاعة المركز الثقافي في مدينة الحسين للشباب بآلاف العاشقين لصاحب القلوب ومداويها لتحتفل بإشهار كتاب الدكتور القسوس "بين الجندية والطب" .
نعم، لا فوض فوك دولة أبو عون،" المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة." استمعت لكل المتحدثين والذي جادوا اواجادوا و ابهروا الحضور بالإشادة بتلك القامة الأردنية الاصيلة، الانسان الذي احتضن بقلبة الاف القلوب واولهم قلب الحسين رحمه الله.
استوقفني دولة أبو عون من بداية حديثه، و كاد ان يأخذني الى أعماق محيط تتجاذبه الأمواج والاعاصير، "نحن في بحر اقليم هائج متكئين فيه على حسن النوايا (حتى لا نقول اتفاق النوايا) والثرثرة على ضفاف الحقيقة وعلى اروقة المؤتمرات" ، و كدت اغرق ،ولا زلت اصارع أمواج التيه ، لا بل القلق والخوف و هو يأخذ الحضور باستعراض صور تختلج قلوب و عقول الحضور الكريم . من هنا أتوجه لدولة الأخ الكبير أبو عون ليشرح لنا بكل اللغات معنى العبارات التي وردت في كلمته في اشهار كتاب الدكتور القسوس " بين الجندية و الطب " ، وانني بتواضع اتقن العديد من اللغات، و شعرت بضعفي في اللغة العربية و بكل اللغات الاجنبية و جلست هائماً على وجهى ابحث عن جواب لكل هذه العبارات التي تحمل بعداً سياسياً حساساً.. على الاطلاق ولم افلح . ومن هنا وفي خضم التيه الذي نعيشه ومن اجل الاف الحضور الذين يمثلون مختلف أطياف الأردن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي ان يجود علينا أبو عون وعلى الملاء بشرح العبارات التالية والتي جعلتني أغط في غفلة من الجهل اللغوي والسياسي والدبلوماسي والإعلامي والصحفي:
أن الأردن يعاني من حركة تقهقرية تنذر بانقطاع التيار المتصل المتدفق بما جهلت به الاجيال المتعاقبة في العمل على بناء الوطن.
الوطن القادر على الامساك بالمستقبل، الوطن النصير للمشاركة والتنوع المتناسق الموحد، الرافض للتعصب وصعود العنف واليأس، الوطن الذي لا يقبل التسليم بدخول المئوية الثانية على مركب نحن على متنه هائم على وجهه بلا طريق ولا مقصد ولا رؤية او بوصلة.
وطن بلا طريق ولا مقصد ولا رؤية أو بوصلة.
مركبٍ في بحر اقليم هائج... متكلين فيها على حسن النوايا – حتى لا أقول اتفاق النوايا، والثرثرة على ضفاف الحقيقة وأروقة المؤتمرات... متعامين عن واقع الحال، متغافلين عن أوحال الأحوال، مسلِّمين أمرنا للزمن ووعد الخير والقادم الواعد.
الزمن ليس حليفنا وانما هو قاضٍ يحاكمنا.. فلا بد من صحوة اساسها العمل لا التغني بالأمل... لاستنباط الحلول التي يمكن وضعها موضع التنفيذ على نحو منهجي، وليس اصدارات لغايات ابراء الذمة.. حتى نصارع اليأس بالعمل، ولا نصرع العمل والأمل باليأس.
جيلنا لا يخشى التغيير ولا يفزع من وتيرته وتجديد شبابه... ولكن من حقه أن يقلق (قلقاً مولعاً بحب الوطن) الوطن القادر على الامساك بالمستقبل.
لا بد من صحوة اساسها العمل لا التغني بالأمل... لاستنباط الحلول التي يمكن وضعها موضع التنفيذ على نحو منهجي، وليس اصدارات لغايات ابراء الذمة.. حتى نصارع اليأس بالعمل، ولا نصرع العمل والأمل باليأس.
عبارات لم افهمها، معرفتي بدولة أبو عون ان نواياه دائماً صادقة صافية ليس بها غموض، فقد عاصرت مسيرته السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وهو وزيري ومعلمي في وزارة الخارجية. وكنت أتوقع في آخر خطابه ان يهدئ من روعي وتعود دقات قلبي لطبيعتها وخاصة في حضرة صاحب القلوب الكبيرة الدكتور القسوس.
الا ان دولة الكباريتي وهذا لم أعهده لا انا ولا آلاف الحضور، صعقني وصعق الحضور بعبارته الأخيرة والتي أمل ان يشرحها لي ولآلاف الحضور والذين غادروا وتلك العبارات تداول خلجاتهم، وتمنوا كما تنميت ان طال حديثه وليخفف عن قلوبنا في حضرة صاحب القلوب الدكتور القسوس. عبارات لا زالت تزيد هيجان بحر افكارنا وتأخذنا في عمق العاصفة، رغم ان أبو عون هادئ الطباع ومعروف عنه عقباوي غطاس ماهر، ومن أصدقاء الدلافين، ولديه القدرة الفائقة والماهرة على انقاذ الغريق حتى لو ان البحر يزخر بأسماك القرش.
فهل يا دولة أبو عون اشفقت علينا وشرحت لنا ما ذهبت اليه، واخذتنا في مسيرة بين الاتكاء على " حسن النوايا والقول باتفاق النوايا "وانت الخبير في كل أنواع أسماك القرش التي تحوم في البر والبحر مستشهداً بعبارتك التالية:
"نحن في بحر اقليم هائج متكئين فيه على حسن النوايا (حتى لا نقول اتفاق النوايا) والثرثرة على ضفاف الحقيقة وعلى اروقة المؤتمرات، متعامين عن واقع الحال ".
بانتظار أن يجود علينا دولة أبو عون من شذرات بأحاديث مطمئنة وحسن النوايا لا اتفاق النوايا. و لكي لا أظلم دولة أبو عون، فقط حاول في نهاية خطابه ازجاء نصيحة خالصة لكل الأردنيين بقوله :
"وما أحوجنا اليوم الى ذلك الرصيد من الأكفاء، القادر على أن يحمل مسؤولية نقلة حضارية ونحن ننتقل من مئوية الى اخرى.. وطرد العتمة التي تسربت الى قلوبنا خوفا من اننا نندفع الى ليل طويل نعاني فيه اختلالات (مالية ومائية)، (اقتصادية واجتماعية)، (جيوسياسية وديمغرافية) ... و(جائحة جامحة) تفترس من صحة الوطن والمواطن... وتستدعي مشاعر وكأننا هرمنا ووصلنا الى مرحلة لم نعد قادرين معها على التقدم."
واختم حديثي - بالآية الكريمة ٢٢ من سورة يونس، بعد بسم الله الرحمن الرحيم: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. صدق الله العظيم.