لكل مدينة نكهة خاصة تميزها عن غيرها في مكانتها التاريخية وهويتها الثقافية، ولكل مدينة جسد نابض وروح حياة يربطها ذلك الرابط المتين، الذي يشكله الانسان وهو يربط حالة الانتماء المكاني بحالة الولاء المجتمعي وفق مزيج يخلط مناخات المدينة بعضها ببعض، ليتشكل في سمائها عبق ذو نكهة خاصة تميزها عن غيرها بما تحمل من رائحة وجدانية تميز اهلها وتكون معهم اينما كانوا واينما ارتحلوا، وهي دليل راسخ على مدى تعلق المواطن بترابه وبارثه الثقافي وتراثه الحضاري، تلك هي الفلسفة التي تقف عليها سلسلة الكتب والمؤلفات التي عمل على انجازها الكاتب سلطان الحطاب ضمن جهد موصول ومتصل جاب فيه الكثير من المدن الاردنية والعربية من خلال موسوعة ثقافية ادبية وقفت على المكان وجعلته يتكلم بالمخزون الكامن من باطنه.
الفحيص، كانت احدى هذه المدن التى باح ترابها عن ما يحوي مخزونها التليد من ارث وازن ومخزون ثقافي تليد ميز اهلها بدورهم التاريخي البناء عندما قاموا بحماية حدود الفحيص قبل الدخول الى مكان التمحيص في ماحص الخير، فكانت القوافل تفحص في الفحيص وتمحص في ماحص، حيث شكلوا فرسان المنطقة وحراس الحمية فاستحقوا بذلك لقب اهل الحمية، وبات الجميع يطلق عليهم (صبيان الحصان ) وهي التسمية التي تعود الى زمن الروم والغساسنة عندما كان الغساسنة يقومون بتدريب صبيان اهل الفحيص، وكانوا يدربونهم على القتال وركوب الخيل ورمي الرمح حتى ذاع صيت اهل الفحيص بالشجاعة وفنون القتال بين القبائل.
واخذ صبيان الحصان يشكلون ذلك الدرع الامين للقوافل التجارية، ويساندهم بذلك اهل ماحص التي كانت معهم بحكم الجيرة ووحدة التراب والحال المشترك كما في تبادلية المعنى ورمزية الدلالة التي تربط اهل الفحيص ذات الطابع المسيحي باهل ماحص من ابناء عباد في نقطة حدودية جامعة تاريخية قامت على حدود فيلادلفيا وبيرا، وهذا ما يؤكد حجم العلاقة التي تميز النسيج الاردني بعضه ببعض، وهي العلاقة التي يجسدها لواء الفحيص وماحص من على ارث متصل جامع يجسدها تمثال الحصان بقلب مدينة الفحيص وعين ماحص المباركة.
وكما تمتاز الفحيص باشجار الزيتون الرومية واشجار الرمان ذات المذاق الخاص وكروم العنب المنتشرة، تمتاز ماحص بعين ماحص المباركة التي لا يتوقف ماؤها لا بالشتاء ولا بالصيف، وهي المنطقة التي تحضن مقام نبي الله شعيب واهل مدين، والتي يدل مناخها الرائع واجواؤها الطبيعية الخلابة على طابع تميزها وتميز اهل هذا اللواء، وهو الذي قدم للدولة الاردنية الكثير من السياسيين البارزين واصحاب مهن مبدعة في كل القطاعات، كما قدم اصحاب حكمة ودراية ينهل منها كل طالب معرفة عن الاردن ومكانته وعن الانسان الاردني وهويته الثقافية التي احتوت كل الديانات السماوية، فكانت نعم الحاضنة للارث الانساني بثقافة القبول وادبيات معايشة والتنوع الديني والرابط العرقي، وهو المزيج الذي يمكن مشاهدته ومعايشته عند صبيان الحصان واهل الجيرة.
الدستور