البورصات العالمية ليست وهمية , بل هي موجودة والتعامل فيها يسير حول العالم وفق أليات معروفة , لكن ما كانت تقوم به بعض الشركات والأفراد هو شيء آخر غير التعامل في هذه البورصات !!.
اللافت فيما كان يجري هو أن بعض المدعين زعموا بأنهم وسطاء ماليون لكنهم في حقيقة الأمر كان يوظفون أموال الناس لحسابهم مقابل أرباح , بدليل أن القضية إنكشفت عن ملاك عقار وسيارات وليس عن وسطاء ماليون .
كثير من الناس ممن ظنوا أنهم يتعاملون مع الأسواق عبر البحار لا يعلمون كيف تتم مثل هذه التعاملات لأن عيونهم كانت معلقة فقط بالأرباح التي كانت تنهال عليهم في بداية الأمر من رؤوس أموالهم .
بالأمس سألت أحد المتضررين مما يسمى بالبورصات العالمية , عن آليات التعامل وعن العقود وسألته أن يدلني على معنى شراء عقود نفط أو المضاربة على الدولار واليورو , فقال أنه لم يكن مضطرا لأن يعرف , لأن الربح كان مضمونا , والمدهش هو أنه لا يزال يلوم الحكومة في تدخلها لإنقاذه وغيره من المحتالين ويعتقد أن تدخل الحكومة قضى على فرصه في الربح !!.
سبق وأن قلنا أن لا تجارة رابحة طول الوقت , وأول الإيهام في تعاملات الناس مع بعض اللاهثين وراء الثراء السريع هو وعود بتجنيبهم الخسائر . لكن التعامل بالبورصات العالمية ينطوي على مخاطر لا حدود لها فالاستثمار عن طريق الاسهم او البترول او المعادن الثمينة او المتاجرة بالعملات الاجنبية بطريقة الهامش يعتبر استثمارا عالي المخاطر وليس بوسع مستثمرين خصوصا الصغار تحمل نتائج المخاطرة .
اللافت أن القضية إنحسرت عن مدخرات بملايين الناس , احترقت في لهيب حفنة من المحتالين سهل لهم قلة المعرفة قنص هؤلاء الذين دفعتهم حسن نواياهم الى تحسين أوضاعهم وبادعاء الاحتراف والشطارة واستخدام كل الوسائل بما فيها الدين , جمعوا أموال الناس وبينما كانت الخسائر تتفاقم كانت
آمال استعادة الأموال في مهب الريح .
في البورصات العالمية تختلف الإجراءات التنظيمية لأسواق تداول الأسهم والأوراق المالية والعملات والسلع الأخرى من بلد إلى آخر ولكنها تتفق جميعها على قواعد وإجراءات تنظيمية ما تزال غير معمول بها في المملكة
فيما يتعلق بغرف التداول في البورصات العالمية خارج البنوك التي تعمل في الاسواق العالمية تحت رقابة البنك المركزي وهو ما نظن بضرورة أن يشمل تلك الغرف والشركات والمكاتب لتعمل في ظل أنظمة وشروط صارمة تضمن لها عملا قانونيا وتضمن للمتعامل مخاطر واضحة.
أكثر من قضية احتيال على مضاربين بالعملات عبر البورصات العالمية سجلت , ما فرض الاستعجال بتنظيمها حماية للمستثمرين , فالتنظيم سيوفر غطاء قانونيا لمثل هذه التعاملات بجعلها أكثر وضوحا ومن يقع بعد ذلك فريسة للاحتيال فهذا شأنه .
. توزيع المال يتم الآن وقد كان أسهل الحلول بالنسبة للحكومة اعتبار قضايا البورصات , مجرد خسائر استثمارية , لمواطنين , فضلوا حرق مدخراتهم بأيدي مغامرين بدلا من اطعامها للنيران , وعلى المتضررين اللجوء الى القضاء , لكن الحكومة فضلت أنذاك إحالة القضية برمتها الى نيابة أمن الدولة , كجريمة إقتصادية بموجب القانون لضمان السرعة والحسم في الإجراءات , ولأن الثقة بألية عمل نيابة أمن الدولة التي غدت بيت خبرة لا يحتاج الى شهادة , فإن الإجراءات في هذه القضية تتم بأقصى درجة ممكنة لحفظ الحقوق .
حماية حقوق المواطنين من واجب الحكومة , لكن الحكومة لا يمكن أن تكون مسؤولة عن القررارات الاستثمارية لمواطنيها في سياق حرية اقتصادية تكفل حق الاستثمار ضمن القوانين المرعية , وطالما كان التحذير مدويا من نصابين محتملين ومن الوقوع في شباكهم , لكن أحدا لم يلتفت .
الكيّس من اتعظ بغيره , هذا مثال على أن العظة لم تزل مفهوما مغيبا عن أذهان عدد لا بأس به من المواطنين , الذين يرغبون طوعا في تكرار الوقوع في مصايد المحتالين . فقضايا البورصات الأخيرة ليست الأولى وأخشى أن لا تكون الأخيرة.
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي