الاقتصاد وحالة عدم اليقين
سلامه الدرعاوي
20-07-2010 04:24 AM
عادة ما تلجأ الحكومات في الظروف الاقتصادية الاستثنائية الى تعامل غير تقليدي في التعاطي مع معطيات الوضع الصعب ومواجهة تحديات تتطلب رؤية تنموية واضحة المعالم تهدف اساسا الى اعادة الحراك الاقتصادي.
الحكومة اليوم في حالة رصد لاداء القطاعات المختلفة, وهناك تباين ملحوظ في الاداء, ففي الوقت الذي ارتفعت الصادرات 14 بالمئة في الشهور الخمسة الاولى نجد ان العجز التجاري ارتفع 11.5 بالمئة مع تراجع في العجز التجاري بنسبة 33 بالمئة نجد ان ايرادات ضريبة المبيعات ورسوم الاراضي انخفضت 10 و35 بالمئة على التوالي في بناء الاحتياطات الصعبة وجمود نسبي في التسهيلات في ظل تواصل ارتفاع الودائع, الامر الذي يستدعي مراجعة دقيقة للوضع.
في الحالة التي يعيشها الاقتصاد الاردني اليوم وهي مشابهة لكثير من اقتصادات الدول النامية, فان الامر يتطلب تدرجا في التعامل مع التباطؤ الاقتصادي الذي بدأ يسود بعض القطاعات, وبداية التعامل تتم من خلال اعداد دراسة علمية واقعية حول تداعيات الازمة المالية العالمية على الاقتصاد الاردني; من هنا تتم معرفة الاختلالات التي تتطلب تحركا اقتصاديا من قبل الحكومة.
اما بالنسبة للحلول فان الامر يحتاج الى استراتيجية تنموية محددة الاهداف والزمان وموجهة لمعالجة الاختلالات ونقاط الضعف, عندها سيكون التحرك الرسمي موجها وفاعلا بعد ان يكون الفريق الاقتصادي متفقا بالاجماع على شكل المعالجة والخلل, وبالتالي يبتعد المسؤولون عن التصريحات المتباينة حول الازمة وتداعياتها ويتجنبون في الوقت نفسه اسلوب الفزعة في التحرك هنا او هناك لتحفيز القطاعات, والكل يتذكر ان بداية الحراك الرسمي كانت تتسم ب¯ "القطعة", فمرة يتحدثون عن دعم العقار ثم يتراجعون ثم ينتقلون للسياحة ثم المشاريع الصغيرة ثم مساعدة البنوك ... الخ, وهذا يدلل على عدم وضوح الرؤية لدى المعنيين بسبب عدم فهمهم الحقيقي لطبيعة الازمة الراهنة.
قد تكون تداعيات الازمة على الاردن وحالة عدم اليقين السائدة فرصة لراسمي السياسة الاقتصادية للتحرك لتعزيز عمليات الاصلاح المالي وتأسيس مرحلة ما بعد الركود التي من المؤكد انها لن تدوم الى الابد, والاصلاح يكون على اكثر من صعيد, لعل ابرزها احداث التطوير والتحديث في بيئة التشريعات المالية خاصة فيما يتعلق بالاستثمار ودراسة أية تطورات لها ارتباط بالتحفيز ودفع عجلة الاقتصاد, والتردد في هذا الشأن كما جرت العادة في السنوات الاخيرة فيما يتعلق باستحداث قانون عصري للاستثمار سيجعل الاقتصاد يدفع ثمنا باهظا في المستقبل وسيعمق الاختلالات ويزيد الفجوة بين شرائح المجتمع.
الفرصة متاحة اليوم للحكومة لتوجيه الدعم بشكل اكثر فاعلية وتبويب الموارد المحدودة نحو قطاعات تساهم في تحقيق النمو المستهدف ودعم ايرادات الخزينة المعرضة للهبوط بفعل التباطؤ.
بامكان البنوك اعادة تنظيف محافظها من الديون المتعثرة وعمل تسويات مالية مع بعض تلك الديون مصاحبة لجهود تنظيمية رسمية للضغط على الشركات التي تواجه اوضاعا مالية صعبة في اعادة تقييم انشطتها وتصحيح مساراتها.
في النهاية اذا كنا في السنوات السابقة نسمع شكاوى المواطنين عن ان عملية الاصلاح والتنمية لا تنعكس على اوضاعهم المعيشية والاقتصاد يحقق نموا 6 و7 بالمئة, فكيف ستكون الحالة اذا ما علمنا ان النمو المستهدف قد لا يصل الى 3 بالمئة على احسن تقدير.
salamah.darawi@gmail.com
العرب اليوم