هل صحيح أن في التأني السلامة؟ ربما يكون صحيحاً عند نزول درج الحايك، وربما يكون عند نقل مقلى مليء بالزيت المغلي من مكانه، وهو ضرورة للحام يقف عند منشار كهربائي حاد. لكن السرعة ليست مثلبة؟ لو كانت كذلك، لما أُطلق إسم "الباص السريع"، ولما تم استخدام عبارة "سريع التردد"، وهو أمر بعيد عن الصحة، فالباص نفسه ليس سريعاً، لا فرق في تردده عن أي باص آخر، سوى تخصيص مسار خاص به يجعل مسيرته أقل مشقة، ولو كانت السرعة نقيصة، لما حملت عائلة الكاتب الإيراني محمود، اسم "سريع القلم".
"إيلون ماسك" رجل مهووس بالسرعة، أسس شركة متخصصة في التكنولوجيا العصبية، تركّز على تطوير سبل اتصال الدماغ البشري بالكمبيوتر، وكما قلت، يعمل على تنفيذ مشاريع النقل بواسطة كبسولات مضغوطة في أنفاق، سقطت صواريخه قبل أن ينجح في إعادتها إلى الأرض. الفشل لم يهزم الحلم. ما الذي يمكن أن يحدث للرجل الذي تصل سرعة النقل في دماغه إلى 1200 كيلو متراً في الساعة، لو شاهد مشروع الباص السريع؟ أو لو قيلت له العبارة بالإنجليزية: "فاست فريكوينسي".
أقول كيف يفكر العقلاء في بلادنا، وكيف يفكر مجانينهم. ثم إن تفكيرنا، ينحصر في حدود الأوطان، مفصّل على حجم أحلامنا. نحن أمّة رزينة إلى درجة أن أحدنا يمكن أن "تفعصُه" سيارة وهو يقطع الشارع، مفضلاً الموت على أن يهرول ويفقد مهابته أمام الناس، والأهم أننا لا نقرُّ بتخلّفنا، ونحتمي بماضينا. ماضينا أصبح كيس رمل، نطلق نيراننا من خلفه، نختبيء وراءه.
"ماسك" يسعى إلى خلق حضارة بشرية على سطح المريخ، ويفكّر كيف يسخّنه عن طريق عمل انفجار نووي. يسعى إلى خلق شمسين في القطبين المتجمدين عن طريق تفجيرهما بصواريخ تحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى غاز، وهو يعد مركبته "بي. إف. آر" التي ستتوجه إلى المريخ الذي يعد ثاني أصغر كواكب النظام الشمسي بعد عطارد.
ليس غير الجنون وراء التوجه لعمل دماغ حاسوبي في الإنسان عن طريق زراعة شريحة في الدماغ البشري، ويسهم المشروع إلى معالجة الشلل، ومعالجة أمراض الدماغ والبصر والسمع. يبدو الأمر ضرباً من الجنون، لكن ما يقال، أن الدمج بين الدماغ البشري والذكاء الاصطناعي، سيجعل الإنسان أكثر قوة من الآلة في الزمان المقبل. لعبة مناظرة تعلّم الروبوتات، مناقشة المشكلات أمام قاض بشري. تلك أمثلة على الجنون، ومنها ما أطلقته "جي. بي. تي. 3" عام 2020؛ تقنية قادرة على كتابة نص كأنها بشر.
الأمر ليس مزحة أبداً. الرجل لا يفكر خارج الصندوق، إنه يفكر خارج كوكب الأرض. السرعة عنوانه. هل صحيح أن من خاف سَلِم؟ ربما، ولكن هناك أناس لا يعرفون الخوف، وينفقون أموالاً طائلة، يفشلون مرة، ثم يفشلون ثانية، وثالثة، ولكن أحلامهم غير قابلة للكسر أو الحجر.
"إيلون ماسك" مهووس بمعالجة الاحتباس الحراري، واستحداث طرق جديدة لتوليد الطاقة، وحماية الإنسان من خطر الانقراض، وإنشاء مستعمرات بشرية على سطح المريخ، ليصح القول أن الرجال من المريخ، والنساء من الزهرة.
هل تعرفون ما الذي ينقصنا في أوطاننا: المجانين. العقلاء شكلوا تخمة في بلادنا. نحن في حاجة إلى الجنون. مجنون أردني واحد بحجم جنون "ماسك"، يستطيع حل العديد من مشكلات البلد، سيجلب المليارات، ويسهم في حل مشكلة البطالة، والازدحامات المرورية، ويؤسس إلى زمن جديد، يصبح فيه صانعو القرارات في جسد الدولة، من فئة لا تعاني من أمراض الزهايمر، والبروستاتا، والتحجر الفكري، والدفاع عن الغلط، والتبوّل اللاإرادي.
(الدستور)