التواصل الاجتماعي ينتصر لخرفان جورجيا
د. زيد نوايسة
16-12-2021 08:40 AM
انشغل الرأي العام الأردني بقصة الخروف الجورجي باعتباره وحسب الخبراء الاقرب لخروفنا الوطني من ناحية المذاق والشكل ولكن سعره بمتناول الجميع وخاصة الطبقة الوسطى وحتى الفقيرة وبدا واضحا أن ازمات البلد الكثيرة والمتوالدة على مدار الساعة تهون امام هذه الأزمة التي صنعها مقطع فيديو نشره مواطن أردني اختار أن يعيش ويستثمر في تلك البلاد بعدما ضاقت حسب قوله فرص الاستثمار عليه هنا.
وكعادة ردود فعل الناس السريعة بدأ الحديث عن مؤامرة يقف وراءها متنفذون يريدون أن يبقى هذا القطاع حكرا لهم وقد يكون هذا موجودا على كل حال، الأمر الذي استدعى من وزير الزراعة أن تحط رحاله وعلى عجل في الريف الجورجي للتأكد من الأمر والعمل سريعا على فتح باب الاستيراد شريطة أن تكون الأغنام المستوردة بلا «لية» حتى لا تؤثر وتنافس الخروف البلدي ولأن هذا سيوفر مادة اللحم بسعر مقبول وفي متناول الجميع ولكن يبدو أن الفارق في السعر لن يكون كبيرا كما تبين لاحقا والأهم أن الاستجابة السريعة المقدرة للوزير النشيط لم تراع تداعيات هذا القرار على مربي الاغنام في الأردن وهم فئة كبيرة من حقهم على حكومة البلاد أن تضعهم على خريطة أولوياتها بعد أن أوغل محتكرو استيراد اللحوم الحية والمذبوحة في التنعم والاستفادة على حسابهم.
الأبعد من قصة الخروف الجورجي واستيراده هو الخضوع السريع والاستجابة لسلطة التواصل الاجتماعي دون التريث والتدقيق وكأن الحكومات تريد أن تثبت انها تستجيب لأي مطالبات صوتها مرتفع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي مما يفتح الباب مستقبلا لشهية الناس التي تحمل موقفا مسبقا من أي رواية حكومية وتشكك في مصداقيتها للحد الذي صار اي قرار حكومي موضع اتهام مباشر حتى يثبت العكس وحتى اذا ثبت هذا العكس سيتم تفسيره بشكل لا يخدم التوجه الرسمي، وحتى لا نظلم الناس فالحكومات كانت على الدوام لا تخيب أملنا بتقديم أداء ضعيف ومرتبك يساهم في الاستقواء والتشكيك.
أسوق هذا الحديث في معرض التساؤل عن استراتيجية الأمن الغذائي التي تحدث عنها جلالة الملك عبدالله الثاني منذ بداية ازمة كورونا والتي تستدعي وجود استراتيجية يجري العمل على إنجازها من خلال تقديم كل أشكال الدعم لمربي الثروة الحيوانية والمزارعين ورصد مبالغ مالية لأن هذا ما سيؤسس فعليا لتحقيق الاكتفاء الذاتي وليس الاستجابة والتسكين على طريقة يوم بيوم التي سرعان ما ينتهي مفعولها.
الاهتمام بما يطرحة الناس من قضايا ومطالب على وسائل التواصل الاجتماعي امر مهم ومقدر وهو دلالة تسجل لأي حكومة تريد أن تعمل ولكن الخطورة هي في التنافس مع هذه الوسائل لأن وضع الحكومة مختلف وهي تتحمل مسؤولية دستورية عن أي قرار خاطئ ستكون له تداعيات مستقبلية، اما من يطرح على وسائل التواصل الاجتماعي مشاريع وافكارا فلا أحد سيحاسبه في حال فشلها وليس مطالبا في الأصل أن يقدم ضمانات لنجاحها.
التعاطي مع اي مطالب للناس يجب أن يأخذ في الحسبان مصالح المجموع العام وفي مقدمتها مصلحة الدولة ومؤسساتها وفي سبيل ذلك على المسؤول أن يتحلى بشجاعة المسؤولية وألا يخضع لسلطة نشطاء التواصل الاجتماعي وما يسمى المؤثرين، ولقد جربت هذه الحكومة وغيرها أن مثل هؤلاء أو بعضهم عندما يعطي فرصة لتطبيق ما يطرح ويتبنى على منصاته باعتبار أن ما يملكه هو التريق الشافي الوافي القادر على حل كل مشاكلنا فورا يفشل، لأن حسابات القرايا لا تتطابق مع حسابات السرايا.
صار لدينا كل اسبوع تقريبا خبر يأخذ المساحة الاكبر من اهتمامات الناس والحكومة بالوقت نفسه، ومع الأيام تطوى الصفحة بعد استنفاد الكلام لتبدأ ازمة جديدة تأخذ حيزا من وقتنا وسرعان ما تتلاشى فاسحة المجال لحدث جديد، حتى ليكاد يبدو الأمر وكأن هناك مايسترو محترفا يدير المشهد ببراعة متناهية، والازمات الحقيقية من فقر وبطالة وتراجع الاقتصاد ومعدلات النمو تتراكم وتكبر وفوق كل ذلك انعدام الأمل والثقة وهو الأمر الذي دعا مسؤولا سياسيا كبيرا بحجم واهمية رئيس مجلس الأعيان الحالي أن يعلن قبل ايام في جلسة مغلقة انه لم يكن قلقا كما هو قلق اليوم.
الغد