أكبر أزمة نعيشها ويعترف بها مسؤول حكومي، تتلخص بقوله إن عدد الذين لا يعملون في الأردن، يصل بنهاية هذا العام، الى نصف مليون شخص، والعدد مذهل، مقارنة بعدد المؤهلين للعمل.
هذا رقم يوجب ان تقف الدولة عنده، مطولا، فهو لم يصبح حقيقة بسبب اضرار وباء كورونا الاقتصادية، وان كان الوباء ادى ايضا الى فقدان كثيرين لعملهم، والمؤكد هنا امران، ان عدد العاطلين عن العمل قد يكون اعلى من هذا الرقم، لأن الارقام الرسمية تخفف عادة من الحدة التي تتسم بها الارقام الحقيقية، اضافة الى ان هذا الرقم مع نهاية العام 2022 سوف يرتفع اكثر، حيث سيتخرج كثيرون، وتزداد اعداد الباحثين عن عمل، في ظل تراجعات اقتصادية غير مولدة للفرص.
هناك استهانة بخطورة هذا الرقم، وحين يكون بيننا ايضا مئات الآلاف ممن يعملون برواتب اقل من مائتي دينار، واعداد اكبر رواتبها دون الثلاثمائة دينار، تعرف ان عدد العاطلين الفعليين عن العمل، ممن يعتبرون محظوظين لوجود فرص عمل لديهم، تدرك ان هؤلاء فعليا، لا يعملون، أيضا، وان كانوا يعملون، فرواتبهم لا تكفي مواصلات الطريق، ولا وجبة الغداء، ولا ثمن السجائر، وكلفة الاتصالات وشحن الموبايلات وغير ذلك، لكن للأسف يتم تصنيفهم بكونهم يعملون، وحالهم أسوأ بكثير من الذين يجلسون في بيوتهم، بل ان هؤلاء يحرقون عمرهم، خدمة لمشغليهم.
لا وظائف في هذه البلاد، هذه هي الحقيقة، لا في الحكومة ومؤسساتها، ولا القطاع الخاص الذي ابتلعته الحكومة من اجل تغطية التزاماتها، واهلكته بالضرائب والرسوم وكلف الطاقة، وغير ذلك.
لا يوجد من يتفهم ان وجود بركان يبدو خامدا شكلا، مثل بركان العاطلين عن العمل، قد ينفجر في لحظة، فلا يقف امامه احد، وسنكون قريبا امام ارتفاع كبير في الجرائم، وشيوع الغضب، والطلاق، والعنف، والتورط في الارهاب، اضافة الى تضرر الانتماء حين يرى كل هؤلاء غيرهم يعيش وينفق، فيما لا يجدون قوت يومهم، ولا ابسط التزاماتهم الانسانية.
لو ناقشت مسؤولا حكوميا، عما يمكن فعله، لقال لك بكل هدوء ان مشكلة العاطلين عن العمل ليست أردنية، فقط، فهي مشكلة عالمية، ولا حلول في الافق، ولا فرص متوفرة، فماذا نفعل من اجل حل مشكلة هؤلاء، والعين بصيرة، واليد قصيرة، والحلول المتاحة ضعيفة وغير كافية؟
كان الأصل التنبه الى هذه الازمة منذ بدايتها، وليس تركها حتى تصل الى وجود نصف مليون شخص بلا عمل يجلسون في البيوت، ويتم بيع الشعارات فوق رؤوسهم، وجدولة احلامهم عبر القول ان العام المقبل، او الذي يليه سيكون احسن، وقد ثبت ان كل عام يأتي أسوأ من سابقه، وهذه مفارقة، اي اننا لا نكتفي بالتفرج على هذه البركان ودخانه يتصاعد، بل نتقافز فوق البركان.
القطاعات التي يمكن ان تشغل الناس، مهملة جدا، من الزراعة الى الصناعة، مرورا ببقية القطاعات، ودون مشاريع كبرى في الأردن، على صعيد قطاعات كثيرة، لا يمكن حل مشاكل الناس، واللافت للانتباه غياب هذه المشاريع الكبرى، حتى لو كان تمويلها من الناس، عبر شراء الاسهم، حتى لا تتذرع الحكومات في الأردن، بقلة المال، وهي ذريعة لم يعد يصدقها احد.
من ناحية اجتماعية هناك نتائج خطيرة لهذا المشهد، وكل الحلول اطفائية مؤقتة، لكننا نحذر بقوة من هذا البركان الذي يبدو خامدا، لكنه يبرق بحمم صغيرة كل فترة، فلا يلتقط احد الرسالة، سواء كانت هذه الرسالة من داخل عمان، او من المحافظات المهملة والمتروكة للزمن، وللبحث عن واسطة هنا او هناك، بأي وظيفة بسيطة متاحة هربا من البيوت.
الكلام اليوم، سهل جدا، لكن المقبل ليس كذلك، فأنت تخسر سندك ومخزونك البشري والانساني، وتحوله الى كتلة مستضعفة وغاضبة، لا تؤمن بالحاضر والمستقبل.
(الغد)