في إعادة الحديث عن القناة الفضائية التربوية الاردنية
فيصل تايه
14-12-2021 11:59 AM
الظروف التي فرضتها الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا على القطاع التربوي والتي رافقتها ضرورات حتمية لتطبيق البروتوكولات الصحية حماية لصحة كافة المتداخلين في العملية التعليمية ، تطلبت تحركاً فورياً من المعنيين بوزارة التربية والتعليم لابتكار أساليب تتواءم مع الظروف والمستجدات لتعويض "الفاقد التعليمي" خلال فترة تعليق الدوام المدرسي وحتى بالعودة للتعليم الوجاهي، ما تطلب ضرورة متابعه الطلبة لموادهم الدراسية من خلال "التعليم المتمازج" او "التعليم الهجين" خاصة عند طلبة المدارس التي تطبق نظام "التناوب" ، في الايام التي تحتم عليهم البقاء في المنازل ، اضافة لمتابعه الدروس للطلبة المصابين بالفيروس في فتره "الحجر المنزلي" عبر الوسائل والطرق والتقنيات والمنصات التعلمية الحديثة باعتماد منصة " درسك" اضافة الى الحصص الدراسية المتلفزة التي تبث عبر قنوات التلفزيون الأردني ، ومع استمرار هذا النهج بحكم انعكاسات الظروف المقلقة المرتبطة بالمنحنى الوبائي وتذبذبه ، فتبقى الفرصة متاحة للطلبة للاستمرار في متابعة دروسهم وجاهيا والكترونيا عن بعد ، وللحقيقة فان وزارة التربية والتعليم قد ابدعت في توفير الادوات التي ساعدت على استمرار العملية التعليمية بكل همة ومسؤولية ، لكن ومع عظم المسؤولية هذه ، فقد زادت معها الحاجة الى امتلاك ادوات تكنولوجية أكثر فاعلية لتسخيرها لخدمة تكنولوجيا التعليم ، اضافة الى ضرورة امتلاكها لاستوديوهات فنية بتقنية عالية يتم فيها اعداد المواد التعليمية التفاعلية على درجة عالية من الاحترافية ، ففي عصر الفضاء المفتوح وحرية تدفق المعلومات أصبح لزاما على وزارة التربية و التعليم أن تسلك طريقاً مليئا بالتحديات باتجاه مواكبة تطورات العصر ومتغيراته الراهنة التي لا تقف عند حد.
لقد كنا نحلم دائما في "الميدان التربوي" ومنذ سنوات في مشروع وطني تربوي نهضوي كبير يعزز التواصل بين مختلف أقطاب العملية التربوية ، مشروع تقني نوعي يعنى بقضايا التربية والتعليم ، في سعي جاد للخروج من نمطية التعليم وإسقاط التلقين والكليشيهات ، والارتقاء نحو تبني مفاهيم وأفكار تربوية واجتماعية رائدة مواكبه لتقدم المجتمعات ومسايرة لتطويرِ مفاهيمِ العولمةِ بحيث تكون وحداتُ بنائها الإنسانية والثقافية مماثلة لوحداتِ بنائها السياسيةِ والاقتصادية عبر ادوات التوعية والتثقيفِ ، وما كان لذلك ان يتحقق إلا من خلال وسائلِ إعلاميه موجهه لها التأثير القوي على المدى القصير ، في توجه وطني جاد للحفاظ على هويتنا الوطنية والقومية ، من خلال تبني فكرة إنشاء قناة تربوية تعليمية متخصصة ، لتكون موجهه بشكل خاص إلى الشرائح العريضة في مجتمعنا ممن لهم علاقة بالتربية والتعليم ، حيث تكمن أهمية إطلاق هذا المشروع التقني النوعي لخلق حراك تربوي تقني مباشر ليكون ذلك منجزاً وطنيا رائدا ، في خطوة لإحداث نقلة نوعية غير مسبوقة في العمل التربوي ، فما يدفعنا إلى هذا التوجه الجاد نحو هذه الأفكار هي الآثار الناتجة عن تباعد التجمعات السكانية في ربوع الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه والحاجة الماسة لروافد تربوية وتعليمية في ظل تدني المخرجات نتيجه نقص او ضعف في الكوادر التعليمية وغياب بعض الإدارة المدرسية الفاعلة ، وبذلك نعمل على توفير بدائل قوية عالية الجودة والفاعلية لتغطية الحاجة أو النقص في بعض الكوادر التدريسية ، بالاستفادة من تقنيات البث التفاعلي ، وكما لمسنا احتياجنا الضروري لذلك خلال جائحة كورونا وبفترة تحولنا للتعلم عن بعد ، ما تطلب العمل على تشجيع إنتاج وصناعة المواد التعليمية الالكترونية المختلفة ونشرها عبر القنوات المتاحة ، إضافة إلى ضرورة أرشفة وتوثيق نسخ من تلك المواد لتسهيل إعادة استخدامها وتبادلها وخاصة لدى أقسام مصادر التعلم في المديريات ، وبذلك يمكن ان تكون القناة التعليمية مؤسسة تربوية تمتلكها وزارة التربية والتعليم ، وتتكامل فيها الإمكانات والتجهيزات الفنية الحديثة ، والطاقات البشرية المبدعة ، والبرامج التربوية والتعليمية النوعية المتخصصة التي سيشهد لها المتخصصون والباحثون والخبراء بالجودة والتميز ، بحيث تعتمد في إعداد برامجها على كفاءات علمية مختارة بعناية فائقة ، وخبرات إبداعية إعلامية ذات خبرات مميزة ، اضافة الى الترحاب بكل كفاءة ترغب في تقديم الجديد والمفيد تربويا وتعليميا.
من المؤمل أن تنهض قناة الأردن التعليمية المقترحة برسالة الإعلام التربوي المتخصص بما يعزز من الأداء التربوي والتعليمي ويصب في خدمة أهدف الرسالة التعليمية السامية ، ليقع على عاتقها بالضرورة جملة من المهام والوجبات الممثلة بإنتاج وبث برامج تدريبية وتأهيلية متطورة تسهم في رفع مستوى أداء المعلمين والمشرفين التربويين والإدارات المدرسية والقيادات التربوية ، اضافة لإنتاج وبث برامج تعليمية موجهة للطلاب والطالبات كما سبق واشرت ولمختلف المراحل الدراسية المساندة للمناهج الدراسية ، وتقديم مناهج ثقافية عامة تعزز قيم الولاء والانتماء للوطن والأمة.
كما ويمكن لقناة الاردن التربوية المفترضة إنتاج وبث برامج المسابقات الطلابية والأنشطة المدرسية الثقافية والفنية والعلمية والرياضية، وتوثيق مختلف الفعاليات والأنشطة التربوية والتعليمية في المؤسسات التعليمية المختلفة ، والعمل على تغطية اهتمامات الطلاب لتشمل جميع المراحل الأساسية والثانوية ، واكتشاف المواهب الواعدة وتشجيعها وإبرازها إعلامياً ، اضافة الى العمل على إيجاد برامج إرشادية تهدف إلى نشر وتعزيز الثقافة التربوية وتعميمها على شرائح المجتمع كافة بغية الإسهام الفاعل في الانطلاق بالعمل التعليمي والتربوي إلى مستويات أفضل ، وكذلك التوعية بأهمية تكامل دور أولياء الأمور والجهات ذات العلاقة مع المؤسسات التعليمية ، مع تحفيز المواطنين على الاهتمام بمتابعة أداء أبنائهم وارشادهم ، اضافة الى قدرتها على إيصال رسالة واضحة عن العملية التربوية وتطورها في المملكة الأردنية الهاشمية والجهود التي تبذلها الحكومة في سبيل تحسين العملية التعليمية وبث برامج تثقيفية وتنويرية موجهة لقطاع واسع من المشاهدين على مختلف مستوياتهم الفكرية ، حيث يتم يتناول أهم القضايا التي تهم العمل التربوي والتعليمي من قبل المتخصصين من الباحثين والتربويين وكل من له علاقة بالشأن التربوي .
ان وزارة التربية والتعليم يمكن لها ان تبادر بوضع الخطوط العريضة الاساسية لهذا الفعل التربوي الوطني الكبير وان تتواصل مع الجهات ذات العلاقة وتعقد شراكات حقيقية جادة مع العديد من الجهات الفنية المتخصصة في هذا المجال وان تستقطب الكفاءات التربوية المشهود لها اعلامياً وبكل همة وجرأة ومسؤولية ، فالوزارة تمتلك من الكفاءات ما يمكنها من القدرة على وضع ضوابط تشريعية لتنظيم وضبط البث التعليمي ، ذلك ما يمكنها من عرض صورة مشرقة تليق بالتعليم الأردني محلياً وإقليمياً وعالمياً ، والعمل على تسخير أفضل تقنيات البث التفاعلي الراقي لخدمة العمل التربوي ، مع اني كنت قد علمت من مسؤولين سابقين في وزارة التربية بوجود استوديو جاهز منذ زمن في مديرية المناهج وكان سابقا يبث منه بعض الدروس التعليمية حيث من الممكن ان يكون نواة ابتدائية لقناة تربوية تعليمية ننطلق من خلالها .
بقي ان اقول اننا مازلنا نتفاءل بالخيرين من افراد هذه المؤسسة التربوية العتيدة وهذا المجتمع الاردني الواعي الأصيل وفي مقدمة الجميع قائد المسيرة صاحب الجلالة الهاشمية جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، وجلالة الملكة رانيا العبد الله صاحبة رسالة التمكين في التعليم -حفظهما الله- الداعمان بقوة لهذا التوجه ، وكذلك نأمل كل الخير في شخص معالي وزير التربية والتعليم وزير التعليم العالي الدكتور وجيه عويس للمضي قدما في توجيهاته من اجل بناء صياغات متطورة تدفع بهذا الاتجاه خاصة وان من اهم المحاور التي تضمنتها الاستراتيجية الوطنية وهي استراتيجية "التعليم من اجل الازدهار" تدفع بهذا الاتجاه .
واخيرا وان اطلت فاعذروني ، فإننا بالضرورة معنيين بإنشاء البيئة الملائمة لتحقيق النتائج التي نأملها والتي يمكن ان يجري فيها التنفيذ بنجاح ، ما يتطلب تحقيقها تطبيق إطار عمل ونهج وثقافة واضحة المعالم ، لتحقق منظومتنا النتائج المطلوبة عبر إتباع أساليب مبتكرة وخلاقة واستخدام مدروس للتكنولوجيا ، اضافة الى التعرف على الأفكار المبتكرة حول العالم والاستفادة منها بما يلائم احتياجاتنا الخاصة في الأردن ، مع ضرورة ان يعتمد ذلك على الشراكات والعالمية والاقليمية والوطنية وخاصة الشراكات بين القطاعين العام والخاص ، وبحث أساليب التمويل المبتكرة لتحقيق أفضل النتائج بأقل موارد ممكنة ، ما يعود بالفائدة المرجوة في مساعدة منسوبي هذا التكوين التربوي الأصيل في رسالته النبيلة والتزاماً بالقيم الجوهرية ، وتحقيقاً للأهداف التربوية المنشودة .
وفقنا الله والأسرة التربوية الأردنية لما فيه رفعة هذا الوطن .
وللحديث بقية..